لعنة خاشقجي
محمد سعد عبدالحفيظ
آخر تحديث:
السبت 20 أكتوبر 2018 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
فى مقاله الأخير الذى نشرته «واشطن بوست» الأمريكية قبل أيام، قال الصحفى السعودى المعارض جمال خاشقجى الذى قتل مطلع أكتوبر الحالى فى قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية إن «العالم العربى كان مفعما بالأمل خلال ربيع عام 2011.. كان الصحفيون والأكاديميون وعامة الشعب يفيضون بتوقعات لمجتمع عربى مشرق وحر.. توقعوا التحرر من سيطرة حكوماتهم والتدخلات المستمرة والرقابة على المعلومات.. لكن التوقعات بمجتمع عربى مشرق وحر سرعان ما تحطمت، هذه المجتمعات بعضها عاد إلى وضعه السابق أو واجه ظروفا أكثر قسوة من ذى قبل».
وتحت عنوان «أشد ما يحتاجه الوطن العربى هو حرية التعبير»، كتب خاشقجى «إن العرب يعيشون داخل بلدانهم إما غير مطلعين أو مضللين، فهم لا يستطيعون علاج مشاكلهم التى يمرون بها يوميا، ناهيك عن مناقشتها فى العلن».
صدق خاشقجى.. فالعالم العربى بالفعل مضلل، الحكومات أحكمت قبضتها على المنابر الإعلامية، ظنًا منها أنها تستطيع أن تتحكم فى عقول مواطنيها، لا تعلم إنها بذلك تدفعهم دفعا إلى البحث عن الحقائق عبر منصات أخرى.
ربما، إصرار خاشقجى فى السنوات القليلة الماضية على توصيل صوت الأغلبية المكتومة من أبناء منطقته إلى منصات يثق فيها العالم، ربما، كانت سببا فى قتله، فتراث المنطقة فى التعامل مع أصحاب الرأى من معارضين وصحفيين وحقوقيين ملىء بالدم والسجن والتضييق.
المتابع لتاريخ دول المنطقة يعلم يقينًا أن مقتل خاشقجى على يد مسئولين يرون فى صاحب الرأى المعارض خطرا على «أمن الدولة واستقرارها» ليس غريبا ولا حادثا معزولا بغض النظر عن الروايات المتعارضة بشأن الوفاة سواء تلك الصادرة عن السلطات السعودية بأنه قتل «إثر مشاجرة مع بعض الرجال فى القنصلية»، أو المتداولة فى وسائل الإعلام الدولية عن تعرضه «للقتل العمد».
بعد اختفاء خاشقجى فى قنصلية بلاده بأيام أكد ولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى مقابلة مع وكالة أنباء بلومبرج أن الصحفى المعارض أنهى أوراقه فى القنصلية ورحل بعد 20 دقيقة، نفس الرواية قدمها القنصل لمحررى وكالة رويترز خلال جولة بالقنصلية حاول فيها أن يثبت لهم أن خاشقجى ليس موجودا لديهم، تمسك المسئولون السعوديون بتلك الرواية حتى مساء أمس الأول عندما خرج النائب العام السعودى ليعلن «وفاة المواطن جمال خاشقجى إثر مشاجرة مع بعض الأشخاص فى القنصلية» وأن سلطات المملكة فى الرياض تعرضت للتضليل من جانب المتورطين فى الحادث الذين حاولوا التستر عليه.
ردود أفعال دوائر الإعلام والسياسة فى العالم، بل والتصريحات الصادرة من الرياض تشير إلى أن الرواية السعودية لن تكون نهاية المطاف، فى ظل الضغوط التى يمارسها الإعلام والمجتمع المدنى والكونجرس فى أمريكا على إدارة الرئيس ترامب التى بدا أنها تسعى إلى قبول الرواية السعودية.
قتل خاشقجى أريد به، ليس فقط كتم صوته، أو دفن الأسرار التى حملها بحكم قربه سنوات من دوائر السلطات السعودية، بل توصيل رسالة إلى كل من تسوّل له نفسه ويشرد عن القطيع ويرفع صوته فى وجه تلك الأنظمة، «لا صوت يعلو فوق صوتنا.. ولا رأى يخالف رأينا.. لنا العزة والحكمة».
رغم قتله، خرج خاشقجى منتصرا ليس لنفسه فقط، بل للصحفيين وللصحافة كأداة لكشف الظلم.
رد خاشقجى للصحافة فى منطقتنا بعضا من تأثيرها ووزنها.. والنتيجة أن العالم تنبه إلى الجرائم التى ترتكب فى حق صحفيى العالم العربى، والظن أن ما جرى مع الصحفى المعارض لن يتكرر مرة أخرى على الأقل فى القريب المنظور، فاللعنة فى انتظار كل من يحاول.