أوباما يتخلى عن حقوق فلسطينية لا تخصه

هنري سيجمان
هنري سيجمان

آخر تحديث: السبت 20 نوفمبر 2010 - 11:00 ص بتوقيت القاهرة

 أدلى المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بالتصريح التالى ردا على انتقاد الرئيس أوباما لخطط البناء فى القدس الشرقية التى أُعلن عنها مؤخرا: «القدس ليست مستوطنة. القدس عاصمة إسرائيل. ولم تقبل إسرائيل قط تقييد البناء فى القدس بأية صورة. وهى لا ترى أن هناك أية صلة على وجه الإطلاق بين عملية السلام وخطط البناء فى القدس». ومنذ ذلك الحين، كرر نتنياهو نفسه معظم هذه الأفكار، إن لم يكن كلها.


وتُعتبر جميع هذه التصريحات غير صادقة أو غير ذات صلة بالأمر. ذلك أن الرئيس أوباما لم يعترض على البناء فى القدس، وإنما فى القدس الشرقية. فالقدس الغربية مُعترف بها دوليا كعاصمة إسرائيل، على عكس القدس الشرقية التى ضمتها الحكومة الإسرائيلية عام 1980. وفى حقيقة الأمر، لا توجد أية سفارة لدولة أجنبية فى القدس الغربية.


كما لقيت الخطوة الإسرائيلية أحادية الجانب بضم القدس الشرقية رفضا دوليا كاملا، ولم تعترف بها أية إدارة أمريكية سابقة.


وكما يعلم «مكتب» رئيس الوزراء نتنياهو جيدا، فإن ما يفتقر إلى الشرعية ليس «المستوطنات» فى حد ذاتها، بل نقل سكان البلد المحتل إلى الأراضى التى يحتلها، وهو الأمر الذى يمثل خرقا لاتفاقية جنيف الرابعة التى وقعت عليها إسرائيل. وتفتقر عملية نقل السكان هذه إلى الشرعية أيا ما كانت المنطقة التى تحدث فيها سواء أكان الاستيطان يحدث فى قرى الضفة الغربية أم فى مدينة القدس الشرقية.


ولم يقتصر التأكيد على عدم قانونية البناء الإسرائيلى فيما وراء حدود عام 1967 على محكمة العدل الدولية. فقد أخطر المستشار القانونى لوزارة الخارجية الإسرائيلية تيودور ميرون الحكومة الإسرائيلية فى عام 1967 بعد فترة وجيزة من انتهاء حرب الأيام الستة بأن «الاستيطان المدنى فى المناطق الواقعة تحت الإدارة الإسرائيلية يتعارض مع الأحكام القاطعة الواردة فى اتفاقية جنيف الرابعة».


وتقع القدس الشرقية بلا منازع وراء حدود عام 1967، وهو ما يجعل نقل السكان الإسرائيليين إليها غير قانونى.


وليس مهما حقيقة أن «إسرائيل لم تقبل قط بتقييد البناء فى القدس بأية صورة». وقد وقعت إسرائيل على خارطة الطريق للسلام فى الشرق الأوسط التى تضمنت التزام الحكومة الإسرائيلية «بتفكيك البؤر الاستيطانية التى أنشئت بعد مارس 2001 فورا، واتساقا مع تقرير ميتشل.. تجميد النشاط الاستيطانى (بما فى ذلك النمو الطبيعى للمستوطنات).

ولا تميز خارطة الطريق أو تقرير ميتشل بين البناء فى القدس الشرقية وبين بناء المستوطنات.

ويتعلق الأمر الأكثر تضليلا فى بيان نتيناهو بزعم عدم وجود صلة بين البناء فى القدس وبين عملية السلام. وقد قال رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق إيهود أولمرت، وأحد «أمراء الليكود» السابقين ورئيس حزب كاديما، إنه يكذب من يرفض اقتسام القدس مع الفلسطينيين، ويصر فى الوقت نفسه على جديته بشأن التوصل إلى اتفاق سلام.


وبهذا القول، يجب ألا يكون اعتقاد نتنياهو بأن رئيس وزراء إسرائيل وليس من يشغل البيت الأبيض هو الذى يحدد السياسية الأمريكية للسلام فى الشرق الأوسط مفاجأة كبيرة للرئيس أوباما.

بل إن ذلك يُعتبر نتيجة منطقية فى ضوء عرض الرئيس أوباما الأخير بتقديم هدايا مذهلة فى سخائها تتضمن التخلى عن الحقوق الفلسطينية التى لا تخصه من الأساس كى يحق له التخلى عنها فى مقابل مجرد موافقة نتنياهو على التحدث مع الرئيس محمود عباس لشهرين آخرين (وهو العرض الذى رفضه نتنياهو بازدراء، استنادا إلى أن بمقدوره الحصول على المزيد).


وإلا فكيف يمكن فهم ما قاله نائب الرئيس جو بايدن لنتنياهو فى 8 نوفمبر فى نيو أورليانز قبيل انعقاد اجتماع مسئولى الاتحاد اليهودى عن أن الخلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن قضية المستوطنات فى القدس والضفة الغربية مجرد خلافات «تكتيكية فى طبيعتها».


فهل استمرار الاحتلال العسكرى وإنكار إسرائيل لحقوق ملايين الفلسطينيين على مدى نصف قرن من الزمن مجرد قضية تكتيكية ثانوية بالنسبة للولايات المتحدة؟ وهل هذا هو ما قاله الرئيس أوباما للعرب والمسلمين فى خطاب القاهرة؟


يجب على الرئيس أوباما أن يأخذ الكلمات التى تفوه بها حول عملية السلام فى الشرق الأوسط وكذلك تبعاتها الأخلاقية والإستراتيجية العميقة بالنسبة لأمريكا بجدية أكثر مما عليه الحال الآن، إذا كان يتوقع ذلك من بيبى نتنياهو.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved