انتقام البريكاريا
العالم يفكر
آخر تحديث:
الجمعة 20 نوفمبر 2020 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة Project Syndicate مقالا للكاتب Edoardo Campanella يعرض فيه عدم إمكانية الاقتصاد الاستغناء عن العمالة منخفضة المهارة، حيث أثبتت أهميتها فى ظل الجائحة... نعرض منه ما يلى:
قبل اندلاع جائحة مرض فيروس كورونا 2019، كان الافتراض السائد أن الدور الذى تضطلع به العمالة منخفضة المهارة فى الاقتصاد آخذ فى التدهور. فى أسواق العمل التى أربكتها التكنولوجيات الرقمية، لا يتمكن من الازدهار سوى المهنيين من ذوى التأهيل العالى. أما أولئك الذين أصبحت وظائفهم مهددة بالتكنولوجيات الجديدة فهم محكوم عليهم بحياة مزعزعة محفوفة بالمخاطر، والزيادة عن الحاجة، وتدنى الحراك الاجتماعى، وتدهور مستويات المعيشة.
فضحت الجائحة جزئيا زيف هذا السرد، عندما كشفت عن أن العمال يشكل توافرهم ضرورة أساسية حقا. فقد تبين أنه لا توجد حتى الآن بدائل تكنولوجية جيدة لعمال نظافة الشوارع، أو موظفى المتاجر، أو عمال توصيل الطعام الذين أبقوا على قدرة الاقتصاد على الاستمرار خلال أحلك أيام الأزمة. فى العديد من الحالات، يؤدى هؤلاء العمال مهام تتطلب القدرة على التكيف الظرفى والقدرات البدنية من النوع الذى لا يمكن ترميزه بسهولة فى البرمجيات وتكراره بواسطة الروبوتات.
لا ينبغى أن يكون من المستغرب حقيقة أن هؤلاء العمال الأقل مهارة يتمتعون بالقدرة على الصمود فى وجه التكنولوجيات الجديدة. ففى أعقاب كل الثورات الصناعية السابقة شهد العالم أنماطا مماثلة. فى أقل تقدير، يظل الاحتياج قائما للعمال البشريين عادة للإشراف على الآلات أو صيانتها أو تكميل عملها. وكان التحدى يتمثل دائما فى إغلاق الفجوة بين القيمة الاجتماعية التى يخلقها هؤلاء العمال والأجور التى يتلقونها.
لا يغير الإبداع والابتكار البنية الهرمية التقليدية للعمل، والتى بموجبها يشرف قِـلة من أصحاب المناصب عالية التأهيل عند القمة على التسلسل الهرمى للوظائف الأدنى مهارة. بل إن التكنولوجيا تغير تكوين الهرم، من خلال تزويده على نحو مستمر بمهام جديدة وأشد تعقيدا، فى حين تعمل على إزالة المهام الأكثر روتينية من خلال التشغيل الآلى (الأتمتة). لا تزال خطوط التجميع موجودة ليومنا هذا؛ لكن الوظيفة فى مصنع تتحكم فيه البرمجيات بالكامل وتشغله روبوتات ذكية تختلف تمام الاختلاف عن وظيفة فى مصنع كان يستخدم أحدث التكنولوجيات فى خمسينيات القرن العشرين.
خلف واجهاتها الرقمية الأنيقة، تعتمد معظم شركات التكنولوجيا الضخمة اليوم بشكل كبير على العمال من ذوى المهارات المتدنية. فى عام 2018، كان متوسط راتب الموظف فى شركة أمازون أقل من 30 ألف دولار، مما يعكس المهام التى يقوم بها أغلب موظفيها: إدارة المخزونات وتنفيذ الطلبات فى المستودعات. ويصدق ذات الشىء على شركة تصنيع السيارات الكهربائية تيسلا، حيث كان الأجر المتوسط نحو 56 ألف دولار فى عام 2018: يعمل نحو ثلث موظفيها فى مصانع التجميع التابعة للشركة. ورغم أن الراتب المتوسط فى شركة فيسبوك كان 228 ألف دولار فى عام 2018، فإن هذا الرقم لا يعبر عن عشرات الآلاف من العاملين بعقود من ذوى الأجور المنخفضة الذين تعتمد عليهم الشركة فى الإشراف على المحتوى.
تتجلى هذه الأنماط بوضوح فى اقتصاد العمل المؤقت، حيث توفر البرمجيات والخوارزميات المنصة اللازمة لبيع خدمات محددة يؤديها عمال حقيقيون. وبصرف النظر عن مدى تطور وتعقيد تطبيقات شركة أوبر أو تطبيقات التوصيل، فلن يصبح للشركة وجود ببساطة فى غياب سائقى سيارات الأجرة وعمال التوصيل العاملين لديها.
ولكن فى كثير من الأحيان، يلقى الأشخاص الذين يعملون فى نهاية سلسلة القيمة فى اقتصاد المنصات معاملة العمال من الدرجة الثانية، ولا يرتقون حتى إلى مستوى موظفى الشركة. وعلى النقيض من المهندسين والمبرمجين الذين يصممون ويحدثون التطبيقات، يجرى توظيفهم على أنهم مقاولون يتمتعون بأقل قدر من الحماية فى محل العمل.
على نحو مماثل، فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى ما كانت لتوجد بدون مساهمات الملايين من العمال العاديين فى مجال التكنولوجيا الرقمية ــ وخاصة فى العالم النامى ــ الذين يكدحون على خطوط تجميع اقتصاد البيانات. وتحتاج معظم خوارزميات التعلم الآلى إلى التدريب على مجموعات هائلة الضخامة من البيانات والتى يجرى «تطهيرها» و«تصنيفها» يدويا بواسطة مفسرين بشريين يتولون تصنيف المحتوى. لكى تحدد خوارزمية ما إذا كانت صورة لسيارة تُـظـهِـر سيارة حقا، يجب أن يكون شخص ما قام من قبل بتصنيف الصورة على أنها لسيارة.
نظرا لحقائق الاقتصاد الرقمى، فلا يوجد أى عذر للتعامل مع الوظائف منخفضة التأهيل باعتبارها مرادفة للوظائف منخفضة الجودة. فربما لم يحصل عمال اليوم من ذوى «المهارات المنخفضة» على درجات أكاديمية، لكن كثيرين منهم فنيون مهرة فى واقع الأمر وقادرون على إتقان مجالات وتقنيات معرفية. والاعتراف بهذا أمر شديد الأهمية لإعادة ترسيخ قوة هؤلاء العمال التفاوضية وصياغة عقد اجتماعى جديد.
لتحقيق هذه الغاية، فإن النقابات العمالية لديها الفرصة لاستعادة النفوذ والضغط من أجل معاملة أكثر عدالة للأقل تأهيلا، بما فى ذلك عمال الوظائف المؤقتة الذين يميلون إلى السقوط من على شاشات رادارات النقابات. لكن الشركات الكبرى تحتاج أيضا إلى إعادة النظر فى كيفية تقييم ومكافأة مساهمات العمال ذوى المهارات المتدنية. ويتطلب الأمر فرض ضغوط من أعلى وأسفل لسد الفجوة (من حيث الرواتب والمزايا) بين أولئك على قمة الهرم وهؤلاء عند قاعدته.
يتعين على الحكومات أن تبذل المزيد من الجهد لدعم الاحتياجات التعليمية للفنيين المهرة، لأن حتى المهام الأكثر أساسية ستتطور بمرور الوقت. تتطلب مواكبة الإبداع والابتكار تطوير المهارات على نحو مستمر لتظل قادرة على المنافسة فى سوق العمل. وفى ما يتصل بالموارد الإجمالية، ينبغى للاستثمار فى هذا القسم من رأس المال البشرى أن يكون مماثلا لنظيره فى التعامل مع المهنيين المهرة، وإن كان تنظيم المسارين التعليميين سيختلف بطبيعة الحال.
سيظل العمال من ذوى المؤهلات الرسمية الأقل يشكلون جزءا من الاقتصاد الرقمى. والحق أن القرارات السياسية والتجارية هى التى تهدد بدفعهم إلى الهامش.
النص الأصلى
https://bit.ly/38Wu0b3