رجل بلا قلب
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 20 نوفمبر 2020 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
سيف الدين شوكت هو أكثر المخرجين فى السينما المصرية غموضا، فالمعلومات المتوفرة عنه قليلة للغاية، وليست له صورة فوتوغرافية منشورة لنعرف ملامحه، ولكن أفلامه معروفة، والكثير منها يدور فى المناطق الشعبية مثل «عنتر ولبلب» على سبيل المثال، والمعلومات التى لدينا تقول إنه من أصل مجرى مولود فى بودابست عام 1913، وأنه عمل فى السينما المجرية فى بداية حياته، ثم جاء إلى مصر وعمل مساعد مخرج فى أفلام عديدة قبل أن يخرج فيلمه الأول «الناصح» عام 1949، لا أحد يعرف اسمه المجرى، ولا شىء عن حياته الخاصة وتعلمه اللغة العربية، وبالأخص اللهجة المصرية، وما يهمنا أنه كان مشاهدا جيدا للسينما العالمية، واقتبس عنها أغلب أفلامه ولم يكن يذكر المصادر، وهو صاحب أفكار متطورة مثل فكرة التخيل العلمية لفيلم «فلفل»، وأيضا حواديت الشطار فى الثقافة القديمة التى استوحى منها فيلم «عنتر ولبلب»، وأفلام أخرى أبرزها بالنسبة لى «رجل بلا قلب» عام 1960، وقد كان يميل للعمل كثيرا مع يحيى شاهين مثل: «الحياة الحب» و«الحب الصامت» و«المراهقان»، ومع الستينيات ولمدة خمسة عشر عاما عمل فى السينما اللبنانية والسورية، ومن أشهر أفلامه «طريق بلا نهاية» المأخوذ عن فيلم «ساعى البريد يدق الجرس مرتين»، وهو السيناريو الذى أخرجه محمد راضى باسم «الجحيم» عام 1980، ولا نعرف أين توفى ودفن المخرج الذى مات عام 1983، ولا أعتقد أن النقاد تابعوا مسيرته وأفلامه، خاصة فى لبنان، وأنا أتوقف دوما عند فيلمه «رجل بلا قلب»، الذى لم أعثر عليه فى اليوتيوب رغم أنه كان موجودا فى بعض الفترات، والنسخة التى شاهدتها دبرها لى الصديق محمد عصفور وعليها إشارة روتانا ما يعنى تداولها، والفكرة فى الفيلم محبوكة تشعر كأنها موجودة فى القصص الصحراوية الأمريكية، أو الريفية الأوروبية، وسوف نتوقف عنده اليوم، لكن شوكت كان يكتب السيناربو ويقوم بالإنتاج، وعمل فى العديد من أفلامه مع إسماعيل يس، كممثل ومع حسن توفيق ككاتب سيناريو وهو أول من اكتشف النجمة ماجدة فى «الناصح»، وفيلم «رجل بلا قلب» مستوحى من إحدى قصص الإقطاع، بطولة كل من يحيى شاهين (المنتج) وهند رستم وأحمد رمزى، وزهرة العلا وشكرى سرحان حول جلال صاحب الأرض والسطوة الذى يفاجأ زوجته زهرة فى أحضان عشيقها كمال فيطلق عليه الرصاص، ويتخلص منه، يحكم على زوجته بالحبس فى بيته لا تغادره، وبعد سنوات طوال، يأتى ابنه الجامعى من العاصمة حيث يدرس، ويقع فى غرام الخادمة عايدة الغريبة عن المكان، التى ترمى بشباكها على الأب والابن معا، ويدور صراع بين الرجلين تنهيه الزوجة الحزينة لصالح ابنها، حين تطلق النار على زوجها فترديه قتيلا كى يموت بين ذراعيها وابنها، ونكتشف أن المرأة الوافدة هى شقيقة للعشيق المقتول، كمال، وأنها جاءت إلى الضيعة للانتقام لمصرع أخيها، وكما نرى فإن القصة تبدو غريبة علينا فمثل هذا الرجل الفحل لم يتزوج مرة ثانية وظل محروما من الجنس وهو أمر غريب على رجال ريفنا ولم نشاهد مثيلا له على شاشتنا، ولعل ذلك يرجع إلى التركيب الثقافى الذى يمثله كاتب السيناريو والحوار الذى عمل مع شوكت فى جميع أفلامه المصرية.
يحيى شاهين فى أغلب أفلامه هو الرجل الجلف قوى الشكيمة، يتسم بقسوة ملحوظة، وقد فهم المخرج هذه السمة فمنحه شحصية جلال الذى ضبط زوجته ذات يوم مع حبيبها يتكلمان فأطلق عليه الرصاص، وقتله، هو سيد القرية بما يمتلك من ثراء وجبروت، وهو يحتفظ بزوجته لا يلمسها طوال خمسة عشر عاما حتى تظهر عايدة التى تعود إلى القرية، وتعمل خادمة لديه، ترمى بشباكها عليه فيقع فى غرامها، بالإضافة إلى قصة عشق مع ابنه نبيل، وكما أشرنا فهذا ريف أوروبى لا نرى الناس مشغولة بالزراعة والتسوق، بل بأشياء أخرى، أنهم هنا يرتدون ملابس البندر فى المقام الأول، هذا الغليظ جسده يحيى شاهين أيضا فى «امرأة وشيطان» مع المخرج نفسه، بالإضافة إلى ثلاثية نجيب محفوظ، وكان أفضل من يؤدى الشخصية فى: «الشك يا حبيبى» و«كل هذا الحب»، وما يهمنا فى المقال التعرف على المخرج فلا شك أنه قدم أفلاما لها أهميتها، واختار سيناريوهات جيدة للكتابة، لكنه شهد حالة من المسخ الملحوظ حين عمل بشكل مكثف فى كل من السينما السورية واللبنانية، ولعل الصورة الوحيدة التى نشرت له كانت إلى جوار اسمه كمخرج فى فيلم «حب فى حب» أنتج العام نفسه بطولة هند رستم أيضا، أى أنه قدم أغلب الأنواع السينمائية، وأبرزها فيلم «الحياة الحب» المقتبس عن الفيلم الأمريكى «جسر واترلو».