ثناء على الجيل الجديد
صحافة عربية
آخر تحديث:
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتب حسن مدن، تناول فيه الاعتقاد الشائع لدى كبار السن تجاه الأجيال الصغيرة/الشابة إذ يرونها ضائعة وتائهة، وكيف أن هذا الجيل المخضرم مخطىء فى نظرته لمن هم أصغر.. نعرض من المقال ما يلى:
فى مرحلة معينة من أعمار أبنائنا وبناتنا نكفّ نحن عن أن نكون معلمين لهم أو أن مساحة ما يمكن أن نقدّمه لهم من معرفة تتضاءل وتضيق، قياسًا إلى ما باتوا يملكونه هم من معارف ومهارات وما يتمتعون به من سعة أفق، فتنقلب الأمور، فيغدو الأبناء والبنات هم من يعلموننا ويمدّوننا بمعلومات ما كنا سنصل إليها بأنفسنا، وعلى مهاراتهم المختلفة سنعتمد فى التعامل مع ما هو جديد فى دنيا العالم التقنى. أعتقد أن هذا ينطبق علينا جميعًا، ولو تحدثت عن تجربتى ككاتب عمود يومى أحتاج إلى فكرة جديدة كل يوم كى أكتب عنها فإنى كثيرًا ما ألتقط من أحاديث ابنى وابنتى، وما ينقلانه من معلومات، أو يريانه من انطباعات عن مشاهداتهما، ما يلهمنى فى الكتابة.
الباحث العراقى القدير الدكتور عبد الجبار الرفاعى أشار إلى الفكرة نفسها، حتى إنه قدم لكتابه الجديد بالعبارة التالية: «تعلمت من أبنائى أكثر من آبائى.. تعلمت من تلامذتى أكثر من أساتذتي». حمل كتاب الرفاعى عنوانًا لافتًا وجاذبًا هو: «ثناء على الجيل الجديد»، ويأتى العنوان مخالفًا بل ناقضًا، لاعتقاد سائد خاطئ لدى المخضرمين قائم على نظرة سلبية تجاه الأجيال الجديدة التى توصف بالضائعة والتائهة، الفاقدة للرؤية حول ماذا تريد، وفى المفاضلة بين الآباء والأبناء، يجنح الأولون إلى وصف أنفسهم بأنهم كانوا، وهم فى أعمار أبنائهم، أكثر حكمة وجدية ووضوحًا فى الرؤية، ويترحمون على زمن ولى ولم يعد، دون أن ينتبهوا إلى أن «الزمن الجميل» مفهوم نسبى وملتبس جدًا، والنظرة إليه تختلف باختلاف الأجيال.
يقف الباحث الرفاعى عند هذه المسألة بالذات، ملاحظًا أن الجيل الأكبر فى نظرته للجيل الجديد بأنه ضائع ولا يعرف ماذا يريد، يخطئ مرتين، الأولى لأن «عقل الشباب اليوم أنضج، ووعيهم بالحياة أعمق منا حين كنا فى مرحلته العمرية. عالمهم مركب وعالمنا بسيط. عالمهم متنوع وعالمنا أحادى، عالمهم نسيج معقد تتلاقح فيه الهويات وتتفاعل فيه الثقافات ويتوحد فى موكب واحد».
هذا عن الخطأ الأول، أما الخطأ الثانى الذى يقع فيه الجيل الأكبر فيتمثل فى اعتقاد هذا الجيل بأنه كان يعرف ماذا يريد، وهنا يتساءل الرفاعى: كيف «يعرف هذا الجيل (الكبير) ماذا يريد، وهو لم يكتشف حتى ذاته الفردية؟» كونه جيلًا ولد فى زمن كان المتاح فيه من وسائل المعرفة محدودًا قياسًا إلى ما هو متيسر للأجيال الجديدة، والذى ييسر لها ولوج دروب متعددة فى الحياة والمعرفة، ويمكّنها من النهل من روافدها المختلفة والمتزايدة يومًا عن يوم، «والتى تسهم فى إنتاج أنماط وجوده، وطرائق عيشه، ووسائل تواصله مع ما حوله»، حسب الكاتب.