تسوية عسكرية مع لبنان دون تطبيع أو تغيير عميق.. ستقوّض إنجازات الجيش
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الأربعاء 20 نوفمبر 2024 - 8:25 م
بتوقيت القاهرة
يبدو أن كل الأطراف، بمن فيهم إسرائيل، يريدون إنهاء القتال والجهد العسكرى فى لبنان. وفى النهاية، هذه الرغبة مفهومة ومشروعة (على الرغم من أننا لم نستكمل زرع بذور واقع مختلف فى لبنان فى «اليوم التالى»، وهذا العنصر حاسم، فى رأيى).
السؤال ليس «متى»، بل «كيف»، كيف سينتهى القتال فى الشمال، بعد أن ثبت فى الماضى البعيد وغير البعيد (وخصوصا بعد الانسحاب من لبنان فى سنة 2000) أن «كيف» لها أهمية كبيرة.
السردية المركزية هى أن وقف إطلاق نار/ تسوية هو الأداة الأساسية لإنهاء القتال. ماذا تعنى التسوية؟ وثيقة مكتوبة موقّعة من الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان (وليس حزب الله)، تتضمن تفاصيل ما يجب فعله وعدم فعله فى «اليوم التالى» فى لبنان.
ليس المقصود، لا سمح الله، اتفاقات تطبيع مع لبنان، أو وثيقة تتطرق إلى التغيير العميق المأمول الذى يجب أن نحدده، ولا إلى كيف يجب أن يبدو لبنان من الآن فصاعدا، بل هى وثيقة عسكرية فقط، أساسها عدم تواجد حزب الله فى المنطقة الواقعة فى جنوبى خط الليطانى، وإعطاء الجيش الإسرائيلى حرية العمل فى التصدى لأى خرق للاتفاق. وأريد هنا أن أطرح بعض الأسئلة التى ترفض هذه السردية المركزية:
السؤال المركزى، ألا تملك إسرائيل الآن الحرية الكاملة للعمل فى لبنان، لماذا، والحال هذه، نحن بحاجة إلى وثيقة مكتوبة ترسّخ ذلك؟
هل تتناول الوثيقة الشق العسكرى المتعلق بانسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطانى وحرية العمل الإسرائيلى العسكرى فى لبنان فقط؟ أليس هناك علاقة بين الجانب العسكرى والجانب السياسى من أجل خلق واقع إقليمى جديد فى لبنان؟ ألا يجب أن يكون هناك خطوات سياسية وبنيوية وتنظيمية واقتصادية يُطلب من لبنان تعهُّد القيام بها فى إطار التسوية؟
هل إيران متضمنة ومذكورة علنا فى الاتفاق الذى سيوقَّع؟ وهل توقّف أحد وسأل لماذا أعطت إيران التسوية مباركتها؟ هل هناك إمكان أن إيران (التى صرّحت مؤخرا فقط بأن طهران تدعو إلى الموافقة على وقف إطلاق النار على أساس القرار 1701 والانسحاب إلى ما وراء الليطانى، وأنها ستواصل تأييدها لحزب الله، وستساعده على التعافى من الضربات القاسية التى تكبّدها) تحاول حصر خسائرها، وتعتبر هذه التسوية، عمليا، تسوية من أجل ترميم حزب الله؟ وماذا سيحدث لعناصر الحرس الثورى الموجودين فى لبنان، وفى سوريا (التى تُعتبر أشبه بممر فيلادلفيا الشمالى لترميم حزب الله)؟، هل هناك نصّ صريح فى الوثيقة يتضمن كلاما واضحا يقضى بطرد الحرس الثورى من المنطقة خلال فترة زمنية قصيرة (نوع من إنذار)؟
كيف يحدد الاتفاق الخروقات؟ وهل يُسمَح بإعادة إعمار الجنوب اللبناني؟ أليس عناصر حزب الله مواطنين لبنانيين أيضاً (عناوين إقاماتهم المسجلة فى هوياتهم فى الجنوب اللبنانى)؟ مثلاً، هل يمكن أن تتحول الأنابيب التى ستدخل إلى الجنوب اللبنانى من أجل استخدامها فى الصرف الصحى إلى صواريخ؟ (كذلك الأمر بالنسبة إلى جميع المواد المزدوجة الاستخدام التى تدخل من أجل إعادة البناء، مثلما جرى فى قطاع غزة)؟
هل فهمنا بعمق لماذا قيّدت التسويات السابقة إسرائيل فقط؟ وهل وجدنا ردا على ذلك فى الوثيقة التى سنوقّعها؟ هل ندرك أن الصيغة اللغوية مهمة لأن إيران ولبنان يسميّان الاتفاق الجارية بلورته «وقف إطلاق نار»، أى أنه لا يوجد تغيير بالنسبة إليهما، وما حدث هو جولة أخرى من القتال، ولكلّ وقف إطلاق نار نهاية.
• • •
أعتقد أن التركيز فى التسوية الجارية على الجانب العسكرى فقط من دون إلزام لبنان واقعا لبنانيا مختلفا، ومع السماح بالوجود الإيرانى العسكرى فى لبنان وسوريا، يمكن أن يؤدى إلى تآكل الإنجازات العسكرية فى لبنان.
فى رأيى، عندما ننظر بدقة إلى المعركة كلها فى لبنان، نجد أنها (حرب إيران الأولى)، لذلك، إن ما سيجرى سيحسم الكفة فيما إذا كنا سننجح فى خلق واقع إقليمى مختلف يتراجع فيه «محور المقاومة الشيعية» ويختفى، بينما يتقدم محور اتفاقات أبراهام، ويأخذ مكانه، على الأقل على طول حدود دولة إسرائيل.
• • •
فى ضوء ما قيل سابقا، أعتقد أن توقيع إسرائيل تسوية من هذا النوع لن يغيّر شيئا فى الوضع القائم، بل سيقيّد إسرائيل دوليا، بشكل أو بآخر، وبمرور الوقت، سيعزز «نظرية الهدوء» وسط الجمهور، ويقوض حرية عمل الجيش الإسرائيلى فى لبنان وسوريا.
جزء من تغيير الواقع الإقليمى هو أن تقول إسرائيل بقوة للولايات المتحدة ولأطراف فى المنطقة إن إسرائيل غير مستعدة لتوقيع اتفاق أقلّ من اتفاق تطبيع. مَن يريد تقييد حرية العمل الإسرائيلية، يمكنه الحصول على ذلك من خلال «التطبيع» معها، وهذا هو التغيير الأساسى الذى أدت إليه هذه الحرب.
علاوة على ذلك، إن توقيع تسوية الآن يمكن أن يضرّ، جوهريا، بالواقع الجديد لـ«اليوم التالى». لذا، من الضرورى، الآن، وقبل أن نرتكب أخطاء، أن نفكر من خارج الصندوق، وأن نُظهر جرأة، فى إمكان إسرائيل تقديم تعهدات للولايات المتحدة، لكن لا يجب عليها، بأى شكل من الأشكال، توقيع وثيقة مكتوبة لا تتضمن تطبيعا، وخصوصا عندما يعتبرها الطرف الثانى «وقفا لإطلاق النار»، وعسكرية فقط، ولا تتطرق قط إلى الواقع الإقليمى الجديد الذى فرضته الإنجازات المذهلة التى حققها الجيش الإسرائيلى.
عميت يجور
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية