الرقص فى كوبنهاجن
سلامة أحمد سلامة
آخر تحديث:
الأحد 20 ديسمبر 2009 - 11:42 ص
بتوقيت القاهرة
يبدو من العسير بالنسبة للكثيرين تصور حقيقة ما يمكن أن يحدث لمصر وفى مصر، نتيجة لما يسمى بالتغير المناخى.. هذه الظاهرة المعقدة التى أحدثت حالة من القلق والجزع فى أنحاء العالم. نظرا لما يمكن أن يترتب عليها من آثار تدميرية مهلكة للإنسان والطبيعة،
مما استدعى انعقاد مؤتمر فى كوبنهاجن شهدته كل دول العالم تقريبا، وحضره أكثر من مائة من رؤساء الدول..
وقد بلغ من خطورة الإحساس بما يحمله المستقبل من نذر، نتيجة ما يتوقعه العلماء من انقلاب جذرى فى أحوال المناخ، أن عقدت حكومة نيبال جلسة لمجلس وزرائها فوق قمة من قمم جبال الهيمالايا، التى أخذت تشهد ذوبان غطائها الجليدى تدريجيا بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وعقدت حكومة المالديف الواقعة فى المحيط الهندى جلسة تحت سطح البحر، إيذانا بالأخطار التى تهددها نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر مع ذوبان الطبقة الجليدية، بما يؤدى إلى اختفاء دولة المالديف من الوجود.. وهو مصير يهدد عددا كبيرا من الأراضى الواطئة والجزر المتناثرة فى محيطات العالم.
لا تحظى مشاكل الاحتباس الحرارى التى أدت إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، وكل ما يترتب عليها من تقلبات فى المناخ، قد تؤدى إلى الجفاف والتصحر فى بعض المناطق، أو إلى هطول أمطار وفيضانات كاسحة فى مناطق أخرى، باهتمام كبير فى مصر والدول العربية، ،على الرغم من التحذيرات والتنبؤات السوداء التى أخذت تصدر تباعا من العلماء والخبراء أخيرا.
وقد شهد العالم خلال السنة الأخيرة بعضا منها فى عدد من الكوارث والأعاصير التى اجتاحت الولايات المتحدة وجنوبى آسيا، وذهب ضحيتها عشرات الألوف.
ولم يكن «تسونامى» الذى اجتاح الجزر الإندونيسية قبل عدة سنوات غير البداية. وبينما يؤكد العلماء أن مصر من بين 20 دولة مهددة بغرق أجزاء كبيرة من أراضيها نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر وعلى الأخص منطقة الدلتا، إلا أن هناك اقتناعا زائفا يرتاح إليه المسئولون بأن مصر بمأمن من الأخطار.
ويبدو هذا السلوك الذى يتسم بعدم الاكتراث بل وعدم المسئولية موقفا عاما فى العالم العربى، حتى بالنسبة للدول التى تعيش على ريعها من النفط. فالاتجاه الغالب بين الدول الصناعية لمقاومة الاحتباس الحرارى وما تولده الدورة الصناعية من انبعاثات وغازات سامة، هو البحث عن مصادر بديلة للطاقة النظيفة. مثلا الخلايا الضوئية من الشمس وطواحين الهواء.
والثابت أن معظم الدول الصناعية فى أوروبا وآسيا تعمل على الاستغناء تدريجيا عن النفط. وفى كل الحالات هناك عودة صريحة إلى الطاقة النووية للاستخدامات السلمية على نطاق واسع، الأمر الذى سيضع نهاية لحقبة الاعتماد الرئيسى على النفط.
فما الذى فعلناه نحن فى مصر لمواجهة هذه الاحتمالات الكارثية، سواء كانت نتيجة غرق أجزاء من الدلتا، أو نتيجة شح مياه النيل بسبب تناقص مياه الأمطار التى تسقط فى أعالى النيل؟
معظم رؤساء الدول الصناعية فى الغرب، وعلى رأسهم باراك أوباما، ذهبوا إلى قمة كوبنهاجن للحفاظ على مصالحهم، والاتفاق فيما بينهم على الإجراءات التى تكفل حماية بلادهم من الكوارث المحتملة.
أما نحن فقد أرسلنا وفدا من 40 موظفا لا يعرفون شيئا عن مشاكل التغير المناخى ــ على حد قول عالم البيئة الكبير الدكتور مصطفى طلبة ــ بهدف المشاركة فى تجمع الدول النامية التى تسعى للحصول على مساعدات تكنولوجية ومالية من الدول الصناعية الغنية. وقد انضمت الدول النامية إلى الصين، التى تقاوم بكل قوة ضغوط الدول الصناعية الغربية لتخفيض انبعاثاتها السامة نتيجة اعتمادها على الفحم، وعدم التزامها بالقواعد البيئية التى يطبقها الغرب، باعتبارها مسئولة عن تحمل النصيب الأكبر من أسباب الاحتباس الحرارى.
ومن الواضح أن قمة كوبنهاجن التى شهدت كثيرا من الخلافات والمشاحنات بين الدول الصناعية الكبرى والدول النامية، لن تكون أحسن حالا فيما تنتهى إليه من قرارات، من مؤتمرات أخرى عقدت لمواجهة أزمات مثل نقص الغذاء فى العالم. ففى مثل هذه المؤتمرات تتكاتف الدول الكبرى فيما بينها على حماية مصالحها أولا وتبادل التكنولوجيات الكفيلة ببقائها نظيفة بعيدة عن التلوث البيئى بكل أشكاله، والتعاون لمواجهة الكوارث الطبيعية.. وفى نفس الوقت إلزام الدول النامية بإجراءات تعجز عن تنفيذها إلا بمساعدة تكنولوجية من الدول المتقدمة مدفوعة الثمن.
وهذه هى العقدة التى تواجه الدول النامية. فالبرغم من المبالغ التى اعتمدتها دول الاتحاد الأوروبى، وأمريكا، واليابان للمساعدات،فإن التجارب أثبتت أن معظم هذه الوعود تظل حبرا على ورق فى معظم الأحيان. ولا توجد آليات ملزمة لكل الأطراف. بل إن أكبر دولتين تتسببان فى تلويث المناخ بالغازات السامة وهما أمريكا والصين، ترفضان الالتزام بنسب التخفيض المطلوبة سنويا حتى عام 2040. وترفض الصين رفضا قاطعا خضوعها لأى نوع من التفتيش أو المراقبة لحجم انبعاثاتها.
الحقيقة المرة هى أننا فى مصر لم نفعل شيئا سوى الرقص مع مجموعة الـ77 التى انصرف كل همها إلى طلب المساعدات، وهى تمثل كتلة من الدول الفقيرة المنهوبة سياسيا واقتصاديا، ولا تملك من وسائل الضغط على الدول الكبرى ما يحملها على مساعدتها. والأكثر مرارة أننا لم نهتم بوضع خطط لمواجهة الكوارث المنتظرة..
بل ولم ننجح حتى فى أداء واجبنا القومى «هوم ورك» للتغلب على مشاكل القمامة والمجارى ومياه الشرب والسحابة السوداء وإلقاء المخلفات فى النيل.. قائمة طويلة من العجز عن مقاومة الأضرار التى تفوق فى تأثيرها أضرار الاحتباس الحرارى، وهو ما يجعل أى حديث من جانبنا فى هذا الموضوع مجرد كلام فى الهواء ولا طائل من ورائه.