أحداث القصر العينى والحرب على الثورة


ريم أبو الفضل

آخر تحديث: الثلاثاء 20 ديسمبر 2011 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

إن وحدة الصفوف التى اتسمت بها ثورة ٢٥ يناير فى بدايتها كانت هى كلمة السر فى نجاحها، فقد صعب ذلك التماسك القوى الأمر على من أراد القضاء على الثورة واضطره إلى استعمال أساليب مختلفة وملتوية، ولكن فى خضم تلك الأحداث كان المجلس العسكرى يعرف هدفه جيدا، ويجب أن تفهم الأحداث الأخيرة ضمن مخطط متبع منذ شهور للقضاء على الثورة بطرق عدة منها تفتيت القوى الثورية واستهداف القيادات من شباب الثورة واستخدام جرعات من العنف الممنهج والسيطرة على الإعلام مع الاعتماد على الفروق الطبقية التى عززها نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك.

 

إن من يدقق فى التطورات الأخيرة يرى خمسة مشاهد لها دلالات هامة، وتسلط الضوء على كل من هذه الأساليب. أولا فقد شن الهجوم على اعتصام مجلس الوزراء صباح الجمعة ١٦ ديسمبر كما شن على اعتصام التحرير من قبله على خلفية الانتخابات البرلمانية، فواجهنا مشهد سقوط الشهداء على أيدى الجيش الحاكم فى البلاد بينما كان يتم فرز الأصوات فى المرحلة الثانية وتعلن النتائج كما لو كنت فى دولة أخرى. وبالمثل وفى أثناء هجوم الشرطة على المتظاهرين فى شارع محمد محمود جاءت تصريحات أعضاء فى المجلس العسكرى عن إنجاح الثورة بإجراء الانتخابات فى موعدها، فى حين خرجت الأحزاب الرئيسية ذات المرجعية الدينية عن الخط الثورى بتمسكها بهذه الانتخابات رغبة فى السلطة أكثر من الرغبة فى تحقيق مطالب ثورة يناير.

 

وهكذا اتبع المجلس العسكرى أسلوب فرض عملية انتقالية على القوى السياسية يقرر هو أبعادها، وتأخذ شكلا قانونيا يوحى بتحقيق أهداف الثورة بينما هو فى الحقيقة إصلاح شكلى يضمن ترسيخ مكانة المجلس وامتيازاته. ويستعين فى ذلك بهذه الأحزاب الدينية من أجل تفتيت القوى الثورية. وبالفعل انقسمت هذه ما بين مشارك لأنه يصدق أن العملية الانتخابية ستنهى هذا الحكم العسكرى وآخر لمنع اكتساح الأحزاب الدينية ومقاطع يرى فى هذه الانتخابات تحايلا على الثورة.

 

وكان أول نموذج لهذا الأسلوب هو استفتاء مارس الذى واجه الشعب بإجراء بدا قانونيا ومشروعا بينما كان الدستور المستفتى عليه باطلا مع خلع مبارك. كذلك لم تمنع قوانين الانتخاب مشاركة فلول الحزب الوطنى كما أنها لم تضع أى حد أو جهاز مراقبة على تمويل الأحزاب الأمر الذى جعل عملية الانتخابات غير عادلة أو نزيهة ناهيك عن الانتهاكات الصارخة التى سجلت فى مختلف أنحاء البلاد.

 

المشهد التالى فى أحداث هذا الأسبوع هو الاعتداء على اعتصام مجلس الوزراء وضرب واعتقال المعتصمين ومن بينهم الناشطة الشابة منى سيف مؤسسة حركة «لا للمحاكمات العسكرية» العضو الشاب المنتخب فى مجلس الشعب المحامى زياد العليمى، وهو من القادة المعروفين إعلاميا كعضو فى المكتب التنفيذى لائتلاف شباب الثورة. وقد هدده أحد الضباط بأن عضويته فى مجلس الشعب لن تحميه. من ناحية يؤكد هذا المشهد على اضعاف دور مجلس الشعب المقبل، وهو ما فضحته قبل أسبوع تصريحات اللواء مختار الملا عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ومن ناحية أخرى فأنه يدلل على أسلوب استهداف القيادات الشابة فى الحركة الثورية الوليدة، تماما كما جرى من قبل بشكل منظم فى أحداث شارع محمد محمود حيث فقئت عيون شباب كمالك مصطفى وأحمد حرارة وقبله اعتقال علاء عبدالفتاح الذى برزت مهارته فى التنظيم فى أحداث ماسبيرو. أما من تبقى من شباب الثورة فبدأ البعض منهم يعانى من الإحباط أو الإحساس بالعزلة.

 

وتطور المشهد الثالث والعبثى والدموى فى شارع قصر العينى بعد الهجوم على اعتصام مجلس الوزراء صباح الجمعة حيث صعد أفراد من الشرطة العسكرية وأعوان لهم فوق أسطح المبانى العامة وأخذوا فى إلقاء قطع من الرخام والطوب ثم قنابل المولوتوف على المتظاهرين والمارة ثم تنقلوا عبر الأسطح حتى يدفعوا الجموع باتجاه ميدان التحرير. استمرت الاعتداءات عدة ساعات مما دفع بعض المتظاهرين للرد عليها، ثم تلاه اندلاع النيران فى مبنى المجمع العلمى.

 

ومما يثير الصدمة أن قوات الجيش لم تحرك ساكنا لإخماد النيران بل اندفعت إلى الهجوم على ميدان التحرير بإطلاق الرصاص الحى وسحل المتظاهرين واهانتهم فى الشوارع بينما اتجه شباب الثوار إلى المبنى المشتعل مخاطرين بحياتهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقتنياته.

 

وهكذا أدت رسالة العنف الممنهج لقوات السلطة إلى فقدان العشرات من العائلات المصرية ابناءها الشجعان والى احتراق كنز ثقافى تاريخى مصرى.

 

يشير هذا المشهد إلى أسلوب آخر متبع هو توظيف الحلول «الأمنية» والتعامل مع الشعب ومطالبه وكأنه عدو فى حرب وليس مصدر الشرعية لحاكم البلاد كما يجب أن يكون فى أى ديمقراطية حقيقية. وقد شهدنا أمثلة عدة على هذا الأسلوب من أبشعها هجمات 9 مارس و9 أبريل والأول من رمضان ومذبحة ماسبيرو فى التاسع من أكتوبر.

 

وإلى جانب الرسالة المفزعة والواضحة التى يبعثها المجلس العسكرى إلى الشعب المصرى فانه يمكن أيضا النظر إلى هذا المسلسل العنيف كرسالة ضمنية من المجلس إلى حلفائه فى الأحزاب الدينية بأن هيمنتهم فى مجلس الشعب لا تعنى بالضرورة السيطرة على مقدرات الأمور فى البلاد.

 

أما المشهد الرابع فأتى ربما أكثر عبثية وهو تصريحات المشير حسين طنطاوى قائد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الوزراء الجديد القديم كمال الجنزورى حيث وعد الأول بالعلاج فى مستشفيات الجيش لضحاياه الجدد وأقسم الثانى بأن العنف لم يمارس أبدا. وتم الترويج لهذه التصريحات دون تمحيص بفضل أسلوب التحكم فى وسائل الإعلام الرسمية وممارسة الرقابة عليها وتشجيع الرقابة الذاتية من قبل العاملين فيها حتى تتمكن مثلا من إقناع الملايين فى القاهرة بوهمية أحداث تدور على بعد كيلومترات فقط منهم. كل هذا بتواطؤ القائمين على وسائل الاعلام الرسمية الذين لم يتم تغييرهم أو تغيير منهجهم تماما كما ابقى الوضع فى سائر المؤسسات والجهات الرسمية فى البلاد. وقد شاهدنا جبروت الإعلام المضلل فى تغطية أحداث شارع محمد محمود ومذبحة ماسبيرو. ويستمر إصرار المجلس العسكرى والحكومة على تكذيب ما أثبتته صور وأفلام الفيديو على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى مما يحطم مصداقيتهما أمام الشعب.

 

المشهد الأخير المثير للأسى هو التشكيك فى هوية الثوار من قبل المتفرجين والتسرع فى الحكم عليهم والربط بين مظهرهم الخارجى وممارسة أعمال الشغب والبلطجة، وهو خلط يرجع فى النهاية إلى أسلوب المجلس العسكرى فى تجاهل مطالب الثورة فى إرساء العدالة الاجتماعية بينما يتعامل إعلامه مع الشعب بنظرة سطحية وطبقية معتمدا على انتشار مناخ عام يقسم الناس حسب مظهرهم وليس احتياجاتهم، الأمر الذى قامت الثورة لتغييره.

 

●●●

 

وأخيرا يبدو المجلس وكأنه يتصرف بثقة عالية توحى بأن سياساته تلقى القبول لدى قوى خارجية راضية  تلتزم الصمت عن سقوط كل هؤلاء الشهداء وعلى استعداد لاستخدام التيار الدينى مرحليا فى سبيل إجهاض الثورة المصرية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved