نصائح وتحذيرات لمرشحى الرئاسة الأمريكية
ماجدة شاهين
آخر تحديث:
الأحد 20 ديسمبر 2015 - 11:15 م
بتوقيت القاهرة
فى غضون أقل من شهر توالت الأحداث الإرهابية بإيقاع متسارع دوليا وإقليميا بحيث لم يعد أحد بعيدا عن متناولها، تفجير الطائرة الروسية فى سيناء، أعقبه الهجوم الآثم على باريس، وضربات متناثرة لتنظيم داعش فى دول عربية وإفريقية، كما استهدف تنظيم الدولة الإسلامية ضرب العمق الأمريكى. وجاءت العملية الإرهابية فى كاليفورنيا فى أوائل ديسمبر الحالى على يد رجل مسلم أمريكى الجنسية وزوجته، وكلاهما من أصل باكستانى عاشا وعملا فى أمريكا. كل ذلك، لا يضفى أى نوع من التفاؤل على احتمالات القضاء قريبا على ظاهرة إرهاب المنظمات الدينية المتطرفة والدولة المسماة بالإسلامية، الأمر الذى يحتم على مرشحى الرئاسة الأمريكية ــ الذين ما زالوا يعيشون فى أبراجهم العالية ــ أن يدلوا بدلوهم إزاء هذه الأحداث وأسبابها وتداعياتها فى حملاتهم الانتخابية وطرح مواقفهم بوضوح وشفافية فى كيفية محاربتها. فقد بات لزاما عليهم تفسير ما يجرى لناخبيهم التى جاءت الضربة الأخيرة فى كاليفورنيا فى عقر دارهم بعد ارتفاع نغمة المزايدات من قِبَل المسئولين الأمريكيين أن الولايات المتحدة فى مأمن من الإرهاب. وازدادت علامات الاستفهام لدى الناخب الأمريكى حول معضلة الإرهاب الدولى وعن الدور الحقيقى للولايات المتحدة. ويبحث الناخب الأمريكى فى ظل هذه الظروف عن ذلك المرشح الذى فى وسعه أن يخلصه من الإرهاب ومحاربة الدولة المسماة بالإسلامية بكل قوة.
***
ومما لا شك فيه أن الإدارة الأمريكية الحالية سوف تتلقى نصيبها من اللوم والاستنكار فى هذا الشأن وتحميلها وزر ما يعانى منه العالم اليوم من انتشار واستفحال ظاهرة الإرهاب. وسوف يقوم مرشحو الرئاسة من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء بتكثيف انتقاداتهم لسياسة إدارة أوباما المتقاعسة والمغلوطة إزاء الوضع فى منطقة الشرق الأوسط. فقد أوهم الرئيس الأمريكى أوباما وإدارته الشعب الأمريكى والعالم كله بأنهم على دراية كاملة وفهم ناضج ببواطن الدين الإسلامى، واعتبار التطرف الدينى بمثابة تطرف أيديولوجى، مبررين موقفهم بأنه لا يمكن محاربة الأيديولوجية بالسلاح ولكن بالإقناع. بيد أننا نتساءل اليوم ما إذا كانت هذه المغالطة من قبل الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما مغالطة مقصودة أم غير مقصودة. فإن ظهور الدولة المسماة بالإسلامية جاءت لتحل محل القاعدة، وهى، مثلها مثل القاعدة، لا تمثل أيديولوجية أو دينا، بل تمثل إرهابا بكل معانيه لم ينجح أحد فى ردعه وتُرك له العنان لينمو ويزداد بطشا وإجراما. فإن الجيل الجديد من المقاتلين والمجندين أكثر تعطشا للانتقام من أى قناعة أيديولوجية.
وإزاء هذه الأحداث المتفاقمة وتهديد داعش بما هو أكثر فظاعة وانتشارا مع عدم استثناء دولة أو مجتمع.. وعدم السماح لأحد أن يعيش فى أمان واطمئنان.. يتعين على المرشحين للرئاسة مراجعة حساباتهم وإعادة النظر فى سياساتهم ومواقفهم من الدولة المسماة بالإسلامية وما يجرى فى المنطقة. غير أن تصريحات المرشحين حول كيفية التعامل مع ظاهرة الإرهاب التى تتفاقم يوما بعد يوم لا تعدو أن تكون تصريحات غير جادة ومضللة. وتتراوح مقترحات ترامب، الذى يتصدر قائمة الجمهوريين، ما بين المطالبة بقاعدة بيانات وطنية للمسلمين فى الولايات المتحدة، وإغلاق المساجد، وحبس وقتل عائلات الإرهابيين. وكلها مطالب غير دستورية وغير واقعية، وإن دلت على شىء فهى تدل على أن ترامب ــ حال فوزه ــ سيعيد الولايات المتحدة إلى ما يُعرف بسياسات راعى البقر، التى قامت بقتل السكان الأصليين، ثم استمرت فى سياسات التمييز والترهيب ضد السود.
***
وأول من يتعين عليه إعادة حساباته هى هيلارى كلينتون التى كانت وحدها تتربع على عرش الديمقراطيين دون منازع، فهى اليوم تقف بين المطرقة والسندان. فهل ستحسب على إدارة أوباما، ومن ثم تتلقى نصيبها من النقد؟ أم أنها ستتنصل من أوباما، وهو الذى وقف داعما لها فى أكثر من مناسبة ومستأنسا برأيها عند تعيينها وزيرا للخارجية فى إدارته؟ ويبدو أن كلينتون لم تضع كثيرا من الوقت فى تحديد موقعها، فهى اليوم تطالب بمرحلة جديدة فى الحرب ضد الدولة المسماة بالإسلامية ووجوب قهرها، مؤيدة أمام مجلس الشئون الخارجية فى نيويورك أخيرا التدخل العسكرى على الأرض ضد الدولة المسماة بالإسلامية، وإيفاد قوات أمريكية للمحاربة مع قوات مجموعة الدول شبيهة التفكير. وهى بذلك تتخذ خطا ضد سياسة أوباما التى لم تذهب إلى مدى أبعد من محاولات احتواء الدولة الإسلامية أسوة بالسياسة التى انتهجتها الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة بالنسبة لاحتواء الاتحاد السوفييتى. غير أن الأمر يختلف كل الاختلاف، فإن الاتحاد السوفييتى كان يمثل دولة عظمى لها مؤسساتها وتحترم قوة القانون، فى حين أن العدو الذى نتعامل معه اليوم هو عدو لا مبادئ له ولا يحترم سوى البطش والقمع والغوغائية.
وتقف كلينتون جنبا إلى جنب مع إدارة أوباما بالنسبة لمشكلة اللاجئين. فهى تؤيد استمرار استقبال اللاجئين السوريين رغم التحديات الأمنية وترفض إغلاق الباب أمامهم من منطلق إنسانى بحت ووفقا لما تمليه القيم والأخلاق الأمريكية. وترى أنه لا تناقض بين استقبال هؤلاء والحفاظ على أمن الولايات المتحدة فى آن واحد. فى حين يحذر مرشحو الحزب الجمهورى من إيواء اللاجئين من سوريا على اعتبار أنه يصعب فحصهم عند الحدود وصعوبة التعرف على مدى انتمائهم إلى الدولة المسماة بالإسلامية أو منظمات متطرفة أخرى. ومن الأفضل إبقاؤهم فى دول المنطقة والدول المجاورة تهيئة لعودتهم لبلادهم، كما أعلن كارسن المرشح الجمهورى ضرورة العمل على تهيئة ظروف المعسكرات هناك، إذا لزم الأمر ذلك. وأنه لا مانع عندئذ من أن تقوم الولايات المتحدة بتقديم الدعم المالى للدول المجاورة مثل الأردن ولبنان التى تعمل على إيواء اللاجئين. ويكفى أن نطرح هنا التساؤل، إذا ما كان مثل هذا المرشح يمثل القيم الأمريكية.
***
ويتعين علينا فى هذا السياق تذكير المرشحين ببعض الحقائق التى قد تكون غائبة عنهم ولها مدلولها فى القضاء على الإرهاب فى المنطقة وتأمين العالم كله من شره وآثامه:
1ــ افتقاد الثقة لدى شعوب منطقة الشرق الأوسط فى السياسات الأمريكية وإداراتها المتتالية، وآخرها إدارة الرئيس أوباما، الذى قدم الوعود الرنانة وما لبث أن تراجع عنها أمام أول تحدى وتكشير نتنياهو له عن أنيابه.
2ــ تراخى إدارة أوباما فى التعامل مع نتنياهو أساء إلى القضية الفلسطينية وأعادها إلى ما كانت عليه قبل مؤتمر مدريد عام 1991، الأمر الذى حدا بالفلسطينيين إلى العودة للكفاح المسلح وإصرارهم على ضرورة تجميد بناء المستوطنات كشرط لاستئناف المفاوضات من جديد.
3ــ يخطئ أمثال روبيو من الجمهوريين، الذين يضعون ما جرى فى القدس وتل أبيب على قدم المساواة مع الإرهاب فى سيناء أو باريس أو لندن أو نيويورك أو كاليفورنيا. فإن مثل هؤلاء كأنهم يضعون الملح على الجرح ويفتقدون للمعلومات الأساسية عن قضايا المنطقة، وأقل ما يقال إنهم يتعاملون معها بسذاجة.
4ــ الفصل التام بين القضاء على الإرهاب ومحاربة التطرف الدينى، من ناحية، ومصير نظام الأسد، من ناحية أخرى. فكلاهما أمران منفصلان ولا يجب الخلط بينهما. كما أنه من الأهمية بمكان التحديد بوضوح لما يكون له الأولوية: محاربة الإرهاب والقضاء على داعش أم إسقاط نظام الأسد وتحمل عواقب مثل هذه الخطوة التى من شأنها أن تكون أكثر فظاعة من الفوضى الخلاقة التى ابتدعتها السياسة الأمريكية فى العراق.
5ــ أن الإرهاب الذى يطول ويضرب بكل قوة وجبروت أوروبا وأمريكا نابع من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، نابع من الذين نالوا قسطا وافرا من التعليم فى هذه الدول وعملوا بها وتجنسوا بجنسياتها. فهم أبناء الجيل الثانى والجيل الثالث من المهاجرين الذين فقدوا هويتهم وتحولوا إلى قنابل موقوتة موجهة إلى المجتمعات التى قامت بإيوائهم ولكنها لم تنجح فى دمجهم. وكم من هؤلاء متواجدون اليوم فى الغرب. ويعتبر هؤلاء أرضا خصبة للمنظمات المتطرفة تعمل على تشكيلهم مثل الصلصال يأتمرون بأمرها وينشرون الفزع فى مجتمعاتهم.
6ــ هل يعلم مرشحو الرئاسة الأمريكية أن محاولات اختراق مجتمعاتنا من خلال آليات الإعلام الاجتماعى ومنظمات المجتمع المدنى، سعيا نحو ما تزعمه الإدارات الأمريكية من الرغبة فى نشر الديمقراطية وتداول السلطة وسيادة القانون وضمان الحريات؟ لن تجدى هذه المحاولات فى ظل استمرار سياسة خارجية أمريكية منحازة وماكيافيللية مع التطرف الإسلامى، يدعمونه تارة ويحاربونه ظاهريا تارة أخرى وفقا لمصالحهم وتحقيقا لمآربهم.
7ــ وقفت مصر وحدها ضد العالم فى محاولات يائسة منذ اندلاع ثورتنا الثانية ضد حكم الإخوان المسلمين لجذب الأنظار إلى خطورة ظاهرة الإرهاب. واليوم ثبت ما كان لها من بُعد نظر وموقف ثابت. فمن الأهمية بمكان دعم مصر فى محاربتها للإرهاب الدولى، بل أيضا مساندتها اليوم فيما يطالب به رئيسها من ضرورة تغيير الخطاب الدينى. فإن مصر وحدها هى القادرة على إدخال التوازن من جديد إلى الخطاب الدينى، بما يتماشى مع عصرنا وثقافة تسامح ديننا وقبولنا للآخر. وإن تغيير الخطاب الدينى يقف على قدم المساواة مع محاربة الدولة المسماة بالإسلامية والتنظيمات الدينية المتطرفة بالسلاح والعتاد. فلا يمكن للعالم الوقوف مكتوف الأيدى أمام ما تنشره هذه المنظمات من إرهاب دولى.