التعريفة الجمركية.. من الجباية إلى الحماية !
محمد يوسف
آخر تحديث:
الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 - 9:45 م
بتوقيت القاهرة
ليس من قبيل المصادفة أن تتزامن قرارات زيادة التعريفة الجمركية على بعض الواردات مع سعى الحكومة لتخفيف حدة العجز فى الموازنة العامة، بل إن تلك الزيادة تعتبر أحد وسائل تخفيض ذلك العجز من وجهة النظر الحكومية. صحيح، أن الهدف المعلن من هذه الزيادة هو تقييد الطلب على الدولار لأغراض الاستيراد الترفى والكمالى، وهو لا شك هدف حميد، إلا أن ضمان تحقيقه يقتضى وجود منظومة جمركية تتسم بالكفاءة، وتراعى الآثار المتباينة، وفى بعض الأحيان المتضاربة، للضرائب الجمركية.
إذا سلمنا بأن إيرادات الضرائب الجمركية ستزداد آنيا مع دخول التعريفة الجديدة حيز التنفيذ، ولكن ما هو مقدار تلك الزيادة المتوقعة، وهل يمكن أن تلعب تلك التعريفة المعدلة دورا أكثر أهمية فى حماية الصناعة الوطنية؟
يمكن لنا، بادئ ذى بدء، تحديد الزيادة المتوقعة فى الحصيلة الجمركية إذا وقفنا على حالة المرونات المختلفة للطلب المحلى على قائمة السلع المستوردة المحملة بالعبء الضريبى الجديد، وحددنا نسبة الزيادة التى أدخلت على تلك التعريفة.
على الرغم من كون مقدار التعريفة الجديدة على تلك السلع قد تراوحت بين 10% و60% (لاحظ أن أغلبها 60%)، وهى تمثل زيادة معتبرة عن مستوى التعريفة السابقة، إلا أن نظرة سريعة فى مكونات تلك السلع، يظهر أن أغلبها مواد غذائية وفواكه وخضراوات، ومنتجات عناية شخصية، وأدوات وأجهزة وأثاث منزلى، ومواد بناء، وألعاب أطفال. وهى فى الغالب سلع تتسم بارتفاع مرونة الطلب عليها، لكونها أقرب إلى الكمالية منها إلى الضرورية. وبالتالى، فإن ارتفاع سعرها، بعد التعريفة الجديدة، سيخفض من الطلب المتوقع عليها، وما يعنيه من انخفاض مماثل فى
حصيلتها الضريبية. ولن يحد من ذلك الانخفاض إلا درجة الاختلاف فى الجودة بينها وبين بديلاتها المحلية، فى حالة توافر تلك البدائل.
ليس من المتوقع إذن، والحال كذلك، أن تستجيب الإيرادات الجمركية بالزيادة المأمولة لارتفاع التعريفة، بل إن أغلب الظن أن تلك الإيرادات ستمعن فى الانخفاض عندما تتوازن أسواق تلك السلع عند مستوى طلب منخفض فى الأجل القصير والمنظور.
من المهم فى اعتقادى تقييم مدى الاستفادة من تلك الزيادة فى التعريفة فى الحماية الممنوحة للصناعة الوطنية، وهو يتطلب الوقوف على الهيكل الراهن للصناعة الوطنية للبدائل المحلية لتلك السلع، وعلى نسبة المكون المحلى فى صناعتها.
***
فللنظر الآن إلى حالة البدائل المحلية لهذه السلع، سنجد أن أغلبها لا تختلف فقط فى مستوى الجودة، نتيجة لاختلاف مستوى تكنولوجيا الإنتاج المستخدمة، ولكنها تعتمد كذلك على نسبة مكون محلى منخفض، فى مقابل ارتفاع نسبة المكون المستورد. ويعنى ذلك أن الحماية السعرية، من خلال زيادة التعريفة، لتلك الصناعة ليست هى الوسيلة المناسبة ولا الكافية. فالفجوة متسعة بين «الحماية الاسمية» و«الحماية الفعالة» لمنظومة الجمارك الراهنة.
ولئن كان التحليل المقتضب السابق يشير إلى التواضع المتوقع فى النتائج المرجوة من الزيادة الأخيرة فى التعريفة، فإن ذلك يدفعنا لرسم طريق واضح المعالم لزيادة فاعلية التعريفة الجمركية فى زيادة حصيلة الضرائب من ناحية أولى، ولتضييق الفجوة بين مستوى الحماية الاسمى ومستوى الحماية الفعال لخدمة هدف التنمية الصناعية من ناحية ثانية.
وأولى معالم هذا الطريق هى ضرورة التنسيق الكامل بين أهداف نظام التعريفة الجمركية. ويتم ذلك عبر التحديد الدقيق لهدف تلك التعريفة، أهو جبائى أم حمائى أم خليط منهما، ولن يحدث ذلك إذا انفردت السياسة المالية بتحديد نسب التعريفة، دون غيرها من السياسات التجارية والصناعية.
وثانى معالم هذا الطريق تظهر عند اقتناعنا بأن التنمية الاقتصادية المستدامة تتطلب تقديم أهداف الحماية على أهداف الجباية. مع ضرورة الاتفاق على القطاعات التى تحتاج لقدر معقول من الحماية، ومقدار ومدة تلك الحماية.
أما ثالث معالم هذا الطريق فإنها تتبدى فى الانتقال بالحماية من مستواها الاسمى إلى مستواها الفعال. ولن يحدث ذلك بشكل تلقائى، ولكنه يحدث فقط عندما تجتهد السياسة الصناعية فى تحفيز الصناعة المحمية على زيادة القيمة المضافة المولدة محليا، قبل وأثناء فترة الحماية.
وصفوة التحليل، إن السياسة الاقتصادية مطالبة بالمواءمة بين أهدافها الاقتصادية المختلفة، وخصوصا بين الهدف الجبائى والحمائى لمنظومة الضرائب الجمركية، حتى لا تطغى الجباية على الحماية، فتفشل فى تحقيق كليهما!