بوتين فى مؤتمره السنوى: كورونا وبايدن.. و«مريض برلين»
مواقع عربية
آخر تحديث:
الأحد 20 ديسمبر 2020 - 8:55 م
بتوقيت القاهرة
نشر موقع 180 تقريرا للكاتب وسام متى، أورد فيه الأسئلة الأكثر جدلا التى وجهت لبوتين فى مؤتمره السنوى وبماذا أجاب عليها... نعرض منه ما يلى.
أرخت الجائحة الوبائية لفيروس «كورونا» بظلالها على المؤتمر الصحافى السنوى التقليدى للرئيس الروسى فلاديمير بوتين شكلا ومضمونا.
فى الشكل، بدت الفعالية السنوية بنسختها الحالية مختلفة عن سابقاتها، التى غالبا ما كانت تشهد ازدحاما للصحفيين المحليين والأجانب المحملين بلافتات للفت أنظار الرئيس الروسى أو سكرتيره الصحفى للحصول على فرصة طرح السؤال. صحيح أن هذا التقليد كان حاضرا فى هذا اليوم، ولكن الإجراءات الوقائية فرضت نفسها فى زمن «كورونا».
انطلاقا من ذلك، زاوجت الإجراءات التنظيمية بين مراعاة قواعد التباعد الاجتماعى لقلة من الصحفيين حضرت إلى مقر إقامة بوتين فى نوفو ــ أوغاريوفو، ومجموعات أخرى خاطبها الرئيس الروسى عبر الفيديو فى مركز التجارة العالمى فى موسكو ومراكز أخرى فى مقاطعات روسية مختلفة، وتذكير من قبل السكرتير الصحافى دميترى بيسكوف بضرورة تغيير الكمامة ذات الاستخدام الواحد بعد ساعتين من بداية المؤتمر الصحافى الذى استغرق أكثر من أربع ساعات ونصف الساعة.
إيجابيات وسلبيات
أما فى المضمون، فقد حضرت الجائحة الوبائية منذ اللحظة الأولى، حين أجاب بوتين على أول الأسئلة المرتبطة بتداعيات «كورونا» على روسيا فى هذه السنة «السيئة»، على حد تعبير طارحته، بمحاولة التركيز على الإيجابيات أكثر منها على السلبيات.
بالنسبة للرئيس الروسى فإن السنة الحالية هى مثل «الطقس» فمن جانب هى سيئة ومن جانب آخر جيدة، مذكرا بأن «كورونا» ليست أزمة مقتصرة على روسيا، بل هى أزمة عالمية أصابت بالمباشر أكثر من سبعين مليون شخص، وهو ما يجعل التقييم يرتكز على المقارنة بتجارب البلدان الأخرى.
«كان هناك بحر من المشكلات سرعان ما تحول إلى محيط»، هذا ما أقر به بوتين فى معرض حديثه عن تداعيات «كورونا»، لكنه شدد على أن روسيا واجهت كل هذه المشكلات «بجدارة» و«ربما أفضل من البلدان التى تفتخر بثبات واستقرار اقتصادها وتطوُر خدماتها الاجتماعية ونظمها الصحية».
الرئيس الروسى دعم ما سبق بالأرقام: تقلص الناتج المحلى الإجمالى فى روسيا بنسبة 3.6 فى المائة، لكن هذا التقلص بقى أقل من مثيله فى الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبى حيث قاربت النسبة التسعة فى الائة. الإنتاج الصناعى فى روسيا تقلص بنسبة 3 فى المائة، ويعود الأمر بالدرجة الأولى إلى تقلص إنتاج النفط بسبب صفقة «أوبك بلاس»، ولكن ذلك قوبل بزيادة فى الصناعات التحويلية بنسبة 1.1 فى المائة.
يبقى أن أهم ما كشف عنه بوتين من معطيات اقتصادية هو أن 70 فى المائة من ميزانية روسيا يتم تشكيلها خارج مداخيل النفط والغاز، وهذا يعنى أن اعتماد روسيا على النفط والغاز يقل، وبالتالى «إذا أراد أحدٌ ما أن يصفنا بأننا مجرد محطة وقود العالم، فهو مخطئ بالتأكيد»، فى ما بدا رسالة غير مباشرة إلى الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن، الذى طالما ردد هذه المقولة فى السابق.
سباق مع الوقت
على المنوال نفسه، تطرق بوتين إلى الإيجابيات المتصلة بإدارة الدولة الروسية لجائحة «كورونا» فى جانبها الصحى. الرئيس الروسى ذكر ببديهية أنه «لا يوجد نظام صحى فى العالم يمكن أن يكون مستعدا لمثل هذه الجائحة الواسعة»، ولكن بالمقارنة تبين أن «النظام الصحى فى بلدنا كان أكثر فاعلية».
وأشار بوتين إلى أنه «فى بداية الجائحة، ومع ورود أولى الإشارات من الصين، تحركنا فورا عند الحدود، وكسبنا بالتالى الوقت اللازم للاستعداد الفعال للحظة وصول هذه الجائحة إلى روسيا، وبدأنا بتجهيز النظام الصحى وكل ما يرتبط بالوقاية، ولم نضيع الوقت إطلاقا».
الانتخابات البرلمانية.. الولاية الخامسة.. و«مريض برلين»
بين العدد الهائل من الأسئلة المتصلة بالهموم الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والبيئية فى الداخل الروسى، والتى أثرت الجائحة الوبائية عليها بأشكال عدة، وجد بوتين مساحة للحديث عن المخاطر الخارجية التى يتعرض لها الأمن القومى الروسى، من خلال بعض الأسئلة التى طرحها عدد من الصحافيين، لا سيما المختصين بالشئون الدولية.
على هذا الأساس كان السؤال عن الانتخابات البرلمانية المرتقبة فى روسيا خلال العام الحالى، والتى يتوقع أن يحافظ فيها حزب «روسيا الموحدة» الحاكم على الغالبية الدستورية، فرصة للتحذير من التدخلات الخارجية لا سيما من قبل الولايات المتحدة.
فى هذا السياق، قال بوتين: «سيحاولون التدخل، وهم يفعلون ذلك طوال الوقت، ليس فقط فى انتخاباتنا، وإنما فى كل أنحاء العالم». وأضاف نحن نعلم ذلك، ونستعد لذلك، لكننا لن نكون قادرين على المقاومة بشكل فعال إلا إذا فهمت الغالبية العظمى من مواطنينا ما يلى: أ ــ هناك تدخل؛ ب ــ نحن ملتزمون بمقاومته؛ ج ــ هذا أمر غير مقبول وعلينا أن نحدد مصيرنا بأنفسنا».
الحديث عن التدخل الخارجى شكل مدخلا لسؤال بشأن قضية أليكسى نافالنى، الذى تجنب بوتين، كما درجت العادة، أن يسميه بالاسم، مكتفيا بوصفه بعبارة «مريض عيادة برلين»، فى إشارة إلى المكان الذى يتلقى فيه الناشط الروسى المعارض العلاج من تداعيات محاولة تسميم.
بشكل أكثر تحديدا تطرق بوتين إلى التحقيق الأخير الذى نشرته كل من شبكة «سى إن إن» ومجلة «دير شبيغل» وموقع «بينينغكات» والذى زعم أن ثمانية عناصر فى جهاز الأمن الفيدرالى الروسى تابعوا تحركات نافالنى وحاولوا تسميمه أكثر من مرة، واضعا إياه فى خانة «حرب المعلومات» ضد روسيا.
وتابع: «لو كنا نرغب فى قتله لكنا أكملنا المهمة على الأرجح»، مذكرا بأنه وافق فورا على نقل نافالنى للعلاج فى ألمانيا، عندما طلبت زوجة المعارض ذلك.
بالحديث عن الوضع الداخلى الروسى، لم يفوت أحد الصحفيين الفرصة لطرح سؤال بات تقليدا، ويتعلق بالخيارات الرئاسية لبوتين بعد التعديل الدستورى الذى يسمح له نظريا بالترشح لولاية رئاسية جديدة بعد ثلاث سنوات.
كعادته، أبقى بوتين على الغموض المعتاد فى مثل هذه المواضيع، قائلا: «ثمة قاعدة عامة نتبعها، وهى أنه حين ندرك أن ما يمكن أن نفعله سيفيد الدولة الروسية فسنمضى إليه، وإذا كان عكس ذلك فلا داعى له»، مضيفا «لم أقرر بعد ما إذا كنت سأترشح. شكليا لدى تفويض من الشعب، وسأقرر (فى حينه) إن كنت سأترشح أم لا».
بين ترامب وبايدن
كان لافتا للانتباه أن بوتين انتظر صدور نتائج تصويت المجمع الانتخابى فى الولايات المتحدة ليرسل برقية التهنئة لجو بايدن يوم الثلاثاء الماضى. يعكس ذلك توجسا لدى الكرملين تجاه الرئيس الأمريكى المنتخب، خصوصا أن سياسات الأخير تجاه روسيا لا تزال تتسم بالضبابية.
خلال المؤتمر الصحافى، بدا واضحا أن الحذر سيستمر لبعض الوقت إلى أن تتضح ملامح السياسة الأمريكية المقبلة، ولذلك بدا بوتين حريصا على توجيه بعض الرسائل غير المباشرة للرئيس الأمريكى المنتخب، بما يعكس المسار الذى قد تسلكه السياسة الروسية فى عهده.
حدد بوتين عدة عناوين متصلة بالعلاقات الروسية ــ الأمريكية، التى بنظره «وقعت رهينة السياسات الداخلية فى الولايات المتحدة»، وهى: التدخل الروسى المزعوم فى الانتخابات الأمريكية عام 2016، مشروع «نوردستريم»، والأهم من كل ما سبق سباق التسلح.
فى ما يتعلق بموضوع التدخل فى الانتخابات الأمريكية، قال بوتين: «نحن ننطلق من أن الرئيس المنتخب حديثا للولايات المتحدة سيدرك ما يحدث، فهو رجل ذو خبرة فى السياسة الداخلية والخارجية ونأمل فى أن جميع المشكلات أو بعضها على الأقل ستحل خلال الإدارة الأمريكية الجديدة».
أما مشروع «نوردستريم ــ 2» فأشار إلى أن «المشروع مفيد للاقتصاد الأوروبى بشكل عام، والألمانى على وجه الخصوص، ذلك أن البديل له هو شراء الغاز المسال الأمريكى بسعر أعلى بنسبة 20 فى المائة من الغاز الروسى بما يضعف قدرة الاقتصاد الأوروبى على التنافس ويزيد الأسعار على البيوت والأسر».
وأضاف: «نأمل أن يكون موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من حلفائها وشركائها موقف احترام، وألا تصر على التضحية بمصالح هؤلاء الحلفاء، وأن تقبل بالعودة إلى المنافسة الشريفة» فى المجال الاقتصادى.
وأما فى ما يتصل بمعاهدة «ستارت» الجديدة، فحذر بوتين من أنه فى حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها بحلول فبراير المقبل، فإنها ستزول، وهو ما يقود إلى سباق تسلح بدأ بالفعل حين انسحبت إدارة دونالد ترامب من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة ومعاهدة الأجواء المفتوحة.
وفى هذا السياق قال بوتين: «بحسب ما فهمنا، فإن السيد بايدن مستعد للحوار والإبقاء على الوثيقة الأساسية، ونحن أيضا مستعدون وننتظر ردا من قبل الشركاء الأميركيين. إن لم يحدث هذا، فسيؤدى الأمر إلى تعزيز سباق التسلح».
فى مقابل هذا كله، بدا بوتين أكثر ارتياحا فى الحديث عن علاقته بقادة آخرين، سواء كانوا من حلفاء روسيا أو خصومها، متحدثا بشكل خاص عن الرئيسين الصينى والتركى.
النص الأصلى