أرباح غير متوقعة.. الولايات المتحدة وأزمة الطاقة الأوروبية
قضايا إستراتيجية
آخر تحديث:
الثلاثاء 20 ديسمبر 2022 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتبة أسماء فهمى تناولت فيه المكاسب التى حققتها شركات الطاقة الأمريكية من الحرب الروسية الأوكرانية، فاستطاعت تلك الشركات تحقيق عائدات غير مسبوقة بعد اختلال سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة العالمية بما يعكس مقولة مصائب قوم عند قوم فوائد... نعرض من المقال ما يلى:
وقع العالم فى قبضة أزمة طاقة كبيرة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية مما أدى إلى تعطل إمدادات الطاقة باعتبار أن روسيا هى المصدر الرئيسى للغاز الطبيعى وثانى أكبر مصدر للنفط فى العالم، وشهد سوق الطاقة تقلبًا حادًا فى الأسعار، كما حدث فى فترة أزمة كورونا والتى عرفت بعدم التوافق بين الطلب والعرض على الطاقة وتضخمت الأزمة بشكل أكبر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ونتيجة لذلك تأثرت دول الاتحاد الأوروبى من الأسعار المرتفعة للغاية والمتقلبة وبالتحديد أسعار الوقود الأحفورى، وأدى التدافع للحصول على الوقود والغاز الطبيعى إلى سلوك شركات الطاقة عالميًا بشكل عام والأمريكية بشكل خاص نهج يقوم على أنه لا يمكن توفير الطاقة إلا للبلدان التى تدفع أعلى سعر، وبالتالى حققت الشركات الأمريكية العاملة فى القطاع أرباح كبيرة غير متوقعة.
أولًا: مستجدات أزمة الطاقة الأوروبية
شكلت الحرب الروسية الأوكرانية تحديات كبيرة لأمن الطاقة الأوروبى خاصة مع اتخاذ روسيا قرارات أحادية الجانب لتعطيل إمدادات الغاز الطبيعى للعديد من الدول الأوروبية كرد على العقوبات المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حاد فى أسعار الطاقة، مما أدى إلى ارتفاع التضخم وعرّض أمن إمدادات الطاقة للخطر.
وأدى قرار روسيا بقطع الإمداد عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 وتعطيل الإمدادات إلى العديد من دول الاتحاد الأوروبى والتفجير الذى حدث فى خطى الغاز «نورد ستريم 1 و2»، وضرورة إيجاد مصادر وطرق إمداد جديدة فى غضون مهلة قصيرة إلى تفاقم الأزمة، وتعمل أوروبا على خطة للتخلص التدريجى من اعتمادها على الوقود الأحفورى الروسى، وتسريع نشر مصادر الطاقة المتجددة واستبدال الغاز الروسى بإمدادات بديلة.
وانخفضت بالفعل حصة روسيا من واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب من إجمالى واردات الاتحاد الأوروبى من الغاز من 41% فى سبتمبر 2021 إلى 9% فى سبتمبر 2022، إلا أنه فى المقابل شهدت أسعار الغاز الطبيعى ارتفاعات غير مسبوقة، حيث وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق فى النصف الثانى بأكمله من أغسطس 2022، وأضر ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى بالاقتصاد الأوروبى إذ تستخدم العديد من قطاعات الاقتصاد الغاز الطبيعى على نطاق واسع، مما أدى إلى تراجع معدلات النمو وارتفاع التضخم.
ثانيًا: الاتحاد الأوروبى والغاز الطبيعى المسال الأمريكى
فى إطار سعى دول الاتحاد الأوروبى لسد فجوة الطاقة التى سببتها الحرب وفى نفس الوقت تسابق الولايات المتحدة لأن تصبح الرائد العالمى فى قدرة تصدير الغاز الطبيعى المسال وأن تلعب دورًا رئيسيًا فى مستقبل أمن الطاقة فى الاتحاد الأوروبى، لجأت دول الاتحاد الأوروبى للولايات المتحدة لإقامة شراكة لتقليل اعتماد أوروبا على الوقود الأحفورى الروسى، وعلى إثر ذلك قامت الولايات المتحدة بزيادة إمدادات الغاز الطبيعى المسال إلى القارة بمقدار 15 مليار متر مكعب فى عام 2022 مقارنة بالكميات التى تم تصديرها من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبى عام 2021، وهو ما يزيد بمقدار 26 مليار متر مكعب عن عام 2021 بأكمله.
كما ستحافظ الولايات المتحدة وفقًا لتعهداتها مع الاتحاد الأوروبى على مستوى عالٍ من إمدادات الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا فى عام 2023 بما يقرب من 50 مليار متر مكعب إضافية مقارنة بعام 2021، بحسب تصريحات البيت الأبيض أغسطس عام 2022.
وفى يونيو 2022، استورد الاتحاد الأوروبى ما يقرب من 4.1 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى المسال من الولايات المتحدة، وكانت هذه زيادة بنحو 30% عن الشهر السابق، وتمثل ذروة حجم الواردات الشهرية منذ عام 2020.
خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، تم تسليم أكثر من 60% من صادرات الغاز الطبيعى المسال الأمريكية إلى أوروبا، مقارنة بـ 37% فقط خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021، وكلاهما أعلى بكثير مقارنة بمتوسط 2021 البالغ 29% من صادرات الغاز الطبيعى المسال الأمريكية التى تم تسليمها إلى أوروبا.
وبالإضافة إلى وصول أسعار الغاز الطبيعى الأوروبية بالفعل عند مستويات قياسية فى أواخر عام 2021 قبل الحرب بسبب ارتفاع الطلب الأوروبى على الغاز الطبيعى خلال فصل الشتاء إلى جانب انخفاض احتياطى المخزونات، فإنه خلال الثلاثة أشهر من يناير 2022 حتى مارس 2022 سجل تسليم 60% من صادرات الغاز الطبيعى المسال الأمريكية إلى أوروبا متوسط سعر يزيد عن 30 دولارًا أمريكيًا/ مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بالمتوسط طويل المدى البالغ 4ــ8 دولارات أمريكية/مليون وحدة حرارية بريطانية سابقًا، فضلًا عن ذلك ستتكبد أوروبا تكلفة إضافية عالية لإعادة تحويل الغاز الطبيعى المسال المستورد من الولايات المتحدة إلى غاز.
ثالثًا: مكاسب شركات الطاقة الأمريكية
قبل الحرب، لم تكن الشركات الأمريكية قادرة بسهولة على التنافس مع الوقود الروسى الأرخص ثمنًا، إذ كانت توفر الشركات الأمريكية حوالى 30% فقط من احتياجات السوق الأوروبية من الوقود، ومع حرب أوكرانيا، تحولت الديناميكيات مع ارتفاع الأسعار العالمية إلى مستوى يجعل الغاز والنفط الأمريكى أكثر تنافسية وبدأت أوروبا فى التفكير فى كيفية تقليل مشترياتها من الشرق، وسعت الشركات الأمريكية الكبرى للضغط على الحكومة الأمريكية لتقديم تسهيلات للقطاع تحت ذريعة ضمان أمن الطاقة والاقتصاد لكل من الولايات المتحدة وحلفاؤها فى أوروبا وحول العالم كما تم التأكيد على أن معالجة تغير المناخ أو الحد من الانبعاثات لا يمكن السماح لها بالانتقاص من الحاجة الواضحة والحالية لمواصلة الاستثمار فى التوسع فى إنتاج النفط والغاز الطبيعى.
وكانت هناك مطالبات علنية لتلك الشركات من الحكومة الأمريكية بزيادة صادرات منتجات النفط والغاز، وبالرغم من أنه لم تكن هناك تصريحات رسمية من قبل الإدارة الأمريكية إلا أنه تم اتخاذ خطوات لزيادة المبيعات الأمريكية من الوقود إلى أوروبا، كما كانت الولايات المتحدة تزج أوروبا نحو فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسى، مما أفسح للشركات الأمريكية المجال لزيادة صادراتها من الطاقة، لتحقق عائدات بلغت 200.24 مليار دولار خلال الستة أشهر الأولى من بدأ الحرب.
ومن ناحية أخرى، فى الداخل الأمريكى ارتفعت أسعار التجزئة المعفاة من الضرائب بأكثر من أسعار النفط العالمية فى الولايات المتحدة، مما يشير إلى أن الشركات تتلقى جزءًا من المكاسب غير المتوقعة من ارتفاع أسعار النفط، أيضًا ارتفعت أرباح المصافى بشكل كبير فى جميع المناطق داخل الولايات المتحدة لتصل إلى أعلى أو قريبة من أعلى مستوياتها فى 10 سنوات بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
ففى الربع الأول من عام 2022، أبلغت 53 شركة تنقيب وإنتاج أمريكية عن زيادة الإيرادات وتكاليف المواد والعمالة مقارنة بالربع الأول من عام 2021، ووصل متوسط سعر خام غرب تكساس 95.18 دولارًا للبرميل خلال الربع الأول من عام 2022، بارتفاع قدره 64% عن الربع الأول من عام 2021 وبزيادة 23% عن الربع الرابع من عام 2021، إلا أنه بحسب توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ينخفض متوسـط سـعـر خـام غرب تكساس إلى 92 دولارا/برميل فى نهاية عام 2022، إلا أنه يظل مرتفع مقارنة بسعره 84 دولارًا/للبرميل بنهاية عام 2021.
وبالتالى ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية فى تمكن الولايات المتحدة من الاستحواذ على جزء من السوق الأوروبية، كما تمكنت شركات الطاقة الأمريكية من توسيع عائداتها وتحقيق مكاسب غير مسبوقة بعد اختلال سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة العالمية وتجاهل المطالب الأخيرة المتعلقة بضخ استثمارات فى القطاع لزيادة الإنتاج، وبالرغم من توسع الولايات المتحدة فى صادراتها من الغاز الطبيعى المسال للاتحاد الأوروبى من جانب، ومكاسب شركات الطاقة الأمريكية من جانب آخر إلا أن الحرب تظل وبالًا على اقتصادات جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والتى تشهد مستويات مرتفعة من التضخم مع ترقب حدوث ركود اقتصادى عالمى.