گيف ينتقل الحلم؟
بول كروجمان
آخر تحديث:
السبت 21 يناير 2012 - 9:45 ص
بتوقيت القاهرة
بول كروجمان«لدى حلم»، أعلنها مارتن لوثر كينج، فى خطاب لم يفقد حتى الآن تأثيره الملهم. وقد تحققت بعض أجزاء هذا الحلم. وعندما ألقى كينج خطابه فى صيف 1963، كانت أمريكا دولة تحرم ملايين من مواطنيها من الحقوق الأساسية، لمجرد أن بشرتهم اتخذت اللون الخطأ. ولكن على الرغم من أن العنصرية الآن لم تعد متضمنة فى القانون، وصارت قبضتها أضعف كثيرًا عما كانت عليه، إلا أنها لم تختف من قلوب الناس.
ولو نظرنا إلى صورة الرئيس أوباما مع حكومته سنرى درجة من الانفتاح العنصرى والانفتاح على المرأة أيضا وهو أمر كان يبدو غير متصور عام 1963. وعندما نحتفل بعيد ميلاد مارتن لوثر كينج، نجد لدينا شيئا حقيقيا جدا للاحتفال: حركة الحقوق المدنية التى كانت من أرقى الأحداث فى أمريكا، وجعلت منا أمة مخلصة لمبادئها. ولكن إذا أمكن للوثر كينج أن يشهد أمريكا الآن، أعتقد أنه سيصاب بخيبة أمل، ويشعر بأن جهده لم يثمر. فقد كان يحلم بأمة «لا تحكم على أطفاله من خلال لون بشرتهم ولكن وفقا لما تحتويه شخصياتهم». ولكننا أصبحنا فى الواقع أمة لا تحكم على الناس وفقا للون البشرة ــ أو على الأقل ليس بنفس درجة ما كنا عليه فى الماضى ولكن حسب حجم رواتبهم. وفى أمريكا، أكثر من معظم الدول الغنية الأخرى، يرتبط حجم راتبك بحجم الراتب والدك.
وداعًا للقوانين العنصرية
.. وأهلًا بالنظام الطبقى
لا يعتبر التفاوت الاقتصادى قضية عنصرية بالوراثة، كما أن زيادة التفاوت أمر مقلق حتى لو لم يكن ذا بعد عنصرى. ولكن وفقا للمجتمع الأمريكى القائم، فإن الطريقة التى يتم بها تقسيم دخولنا ذات مضامين عنصرية.
وعلى أية حال، كان لوثر كينج الذى اغتيل أثناء قيامه بحملة للمطالبة بزيادة الأجور يعتبر أن التفاوت الحاد شر ينبغى مقاومته. وفيما يتعلق بذلك البعد العنصرى: كان المفترض على نطاق واسع فى الستينيات أن وقف التمييز العلنى من شأنه أن يحسن الأوضاع الاقتصادية والقانونية للأقليات. وفى أول الأمر، بدا أن هذا يحدث. وخلال الستينيات والسبعينيات انتقلت أعداد كبيرة من عائلات السود الى الطبقة الوسطى، بل، وإلى الطبقة المتوسطة العليا، وتضاعفت تقريبا نسبة الأسر السوداء من بين الـ20 فى المائة أصحاب أعلى الدخول.
ولكن تحسن الوضع الاقتصادى النسبى للسود فى أمريكا توقف نحو عام 1980. لماذا؟ لا شك أن جانبًا مهما من الإجابة يرجع إلى أن التفاوتات بين الدخول فى الولايات المتحدة بدأت فى الاتساع بشكل كبير نحو 1980، وتحولت حياتنا إلى مجتمع أكثر تفاوتا مما كان عليه فى أى وقت منذ العشرينيات.
وإذا اعتبرنا توزيع الدخل سلما، يقف مختلف الناس على درجات مختلفة منه، سنجد أن المسافة بين الدرجات بدأت، منذ نحو عام 1980، تتحرك أبعد من أى وقت مضى، مما أثر سلبا على التقدم الاقتصادى للسود بطريقتين. أولا: ظل العديد من السود فى أدنى درجات السلم، وبينما ارتفعت إيرادات من هم فى أعلى السلم ارتفاعا حادا، عانت الدخول من الركود فى الدرجات القريبة من السفح. وثانيا: تباعدت المسافة بين الدرجات، وأصبح من الصعب تسلق السلم.
وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا تقريرا حول حقائق ثابتة مازال كثير من الأمريكيين يتفاجأون عندما يسمعون عنها: على الرغم من أننا مازلنا نرى بلدنا أرض الفرص، فالحراك الاقتصادى بين الأجيال مازال فعليًا أقل من الدول المتقدمة الأخرى. حيث إن فرص وصول شخص ولد فى أسرة منخفضة الدخل إلى مستوى دخل مرتفع فى نهاية المطاف، أو العكس، أقل بكثير منها فى كندا أو أوروبا. ولاشك أن هناك ما يدعو للاعتقاد أن انخفاض درجة الحراك الاقتصادى يرتبط على نحو كبير بارتفاع حدة التفاوت فى الدخول.
وفى الأسبوع الماضى ألقى ألان كروجر، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس أوباما، خطابا مهما حول عدم المساواة فى الدخل، تحدث فيه عن علاقة وصفها بأنها «منحنى جاتسبى العظيم». وأوضح أن البلدان التى تتسم بارتفاع مستويات التفاوت، يقل الحراك فيها: فكلما زاد التفاوت فى مجتمع، كلما زاد مدى اعتماد الوضع الاجتماعى للأفراد على مكانة أهلهم.
وكما أوضح السيد كروجر، تشير هذه العلاقة إلى أن الحراك سيقل فى أمريكا فى عام 2035، عما هو عليه الآن. وستكون مجتمعا تتوقف فيه الفرص المتاحة أمام الأطفال على الطبقة التى ولدوا فيها.
وليست تلك هى التنمية التى ينبغى أن نقبل بها بسهولة. حيث يقول ميت رومنى أنه إذا كان ينبغى بحث عدم المساواة فى الدخول، فلا يجب أن يتم هذ إلا «فى غرف منعزلة». وقد مر وقت، قيل فيه نفس الشىء عن عدم المساواة العرقية. ولكن، لحسن الحظ، كان هناك أشخاص مثل مارتن لوثر كينج الذى رفض أن يكون منعزلا، وينبغى أن نحذو حذوهم اليوم. فالحقيقة أن التفاوت المتزايد يهدد بتحويل أمريكا إلى بلد مختلف وأسوأ، ونحن بحاجة لتعديل الاتجاه من أجل الحفاظ على كل من قيمنا وأحلامنا.