غسل الأيدي في حادثة التجمع

سامح فوزي
سامح فوزي

آخر تحديث: الثلاثاء 21 يناير 2025 - 8:10 م بتوقيت القاهرة

هذا الحديث ليس الغرض منه تبرئة مذنب أو التماس العذر له فيما قام به أو تمييع قضية هى خطيرة بحق، ولكن ما أسعى إليه هو النظر بصورة أكثر اتساعا للوضع الذى آلت إليه مدارسنا، التى تعد تجسيدا لأزمات مجتمع، كما أنها بالمنطق نفسه سبب فيها.
فى حادثة مدرسة التجمع ليس هناك ضحية وجناة بالمعنى الثقافى أو الإنسانى بل الجميع فى نظرى ضحايا، سواء من ارتكب العنف أو من كان ضحيته.
الفتيات اللاتى واجهن الإدانة والعقاب بعد الاعتداء المنفلت على زميلة لهن فى المدرسة هن جناة بالمعنى القانونى أو المؤسسى، ينبغى عقابهن بشدة، لكنهن ضحايا بالمعنى الثقافى والإنسانى على عدة مستويات.
ضحايا وزارة التربية والتعليم التى أسرعت باتخاذ إجراءات عقابية صارمة حيال المدرسة ومرتكبى الواقعة، وهو أمر جيد ومطلوب فى ذاته، رغم أنه لا ينفى مسئوليتها عن تغذية المناخ السلبى فى المدارس على مدار سنوات طويلة نتيجة تقاعسها عن تعزيز الثقافة المدنية أو التعليم المدنى الذى يحض النشء على قيم المشاركة والتعاون وقبول الآخر والتسامح واحترام الاختلاف. حادثة مدرسة التجمع ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، بل أكاد أجزم أن العنف ينتشر فى المدارس سواء بدنيا أو لفظيا على نطاق واسع، لكنه لا يحظى بالاهتمام الكثيف مثل حادثة التجمع التى لعبت بشاعة الحدث ووضعية المدرسة والسوشيال ميديا دورا مهما فى إبرازها.
الجناة أيضا ضحايا حالة من العنف المستبطن والظاهر فى المجتمع نجده فى كل مفردات الحياة الأسرية والاجتماعية، فى الحياة الخاصة والعامة على السواء، وما يجرى فى الشارع خير مثال.
الجناة كذلك ضحايا تربية أسرية غائبة، أو تعتمد بإفراط على تلبية طلبات الأبناء المادية أيا كانت، والإنفاق المالى المتزايد عليهم بهدف تعويضهم عن غياب الوالدين أو عدم حضورهم بصورة أساسية فى حياة أبنائهم. ومن المتوقع أن تفرز هذه الحالة جيلاً أنانيًا بعيدا كل البعد عن القيم الإنسانية، ويرى أن سعادته فى الاستهلاك والمقتنيات، والاستعلاء والتباهى على الآخرين، وقد يصل مستوى التفكك داخلهم إلى حد اعتبار ممارسة العنف حيال الآخرين أيا كان صوره عاملا لتحقيق الذات، والكرامة، وممارسة الهيمنة على الآخرين.
فى الواقع لا أستغرب محاولات المجتمع بدءًا من وزارة التربية والتعليم مرورا بالإعلام وانتهاء برواد السوشيال ميديا الإسراع بغسل الأيدى تبرءوا مما حدث، أو ادعاء بأنه استثناء مفجع عن قاعدة صحيحة، فى حين أن الواقع يشهد خلاف ذلك، وما حادثة مدرسة التجمع سوى جرس إنذار يضاف إلى أجراس عديدة تضطرب لها الأذن ليل نهار.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved