إذا جاء ليبرمان..

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: السبت 21 مارس 2009 - 5:03 م بتوقيت القاهرة

فى الحرب كما فى السياسة، قد يكون من عوامل النصر ما تقتضيه طبيعة المعارك من المبادرة بالهجوم أحيانا، أو التقهقر بخطوات محسوبة لتثبيت المواقع تمهيدا لبلوغ أهداف مرسومة أحيانا أخرى. وتواجه مصر حاليا معركة سياسية، ودبلوماسية معقدة، تهدد سياسة السلام وجهود التسوية التى قطعت أشواطا عديدة خلال السنوات الأخيرة.. وذلك بوصول اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو وشراكة أفيجدور ليبرمان إلى الحكم فى إسرائيل.

كلتا الشخصيتين لا تؤمنان بالسلام، ولا بالحل القائم على الدولتين.. الأول إرهابى متعصب، حصل حزبه «الليكود» على أغلبية نسبية من مقاعد الكنيست، لأنه عارض محادثات أولمرت ــ ليفنى مع السلطة الفلسطينية.

وفى رأيه أن السلام مع الفلسطينيين ومع العرب عموما هو ما يسميه «السلام الاقتصادى»، الذى يتعامل مع الأراضى الفلسطينية المحتلة كأسواق للتبادل التجارى. وكان ومازال، يعارض وقف الهجوم الإسرائيلى الوحشى على غزة، والدخول فى محادثات التهدئة.

أما الثانى أفيجدور ليبرمان، فهو مهاجر روسى من يهود مولدوفيا. وكان يعمل حارسا للملاهى الليلية، ولا تزيد خبراته السياسية عن التعامل مع العاهرات والبلطجية والتهريب وتبييض الأموال.. فقد حصل حزبه «إسرائيل بيتنا» على عدد كبير من المقاعد فى الكنيست، بتأييد من المهاجرين الروس، الذين باتوا يشكلون نسبة كبيرة فى المجتمع الإسرائيلى، وقد هدد بضرب السد العالى، وأهان بتصريحاته رئيس الدولة المصرى، ومن رأيه، أنه يجب سحق الفلسطينيين كالصراصير. ومن ثم فهو يسعى للحصول على حقيبة الخارجية فى حكومة نتنياهو الائتلافية، مسلحا بهذه المؤهلات الوضيعة، إلى جانب أربع حقائب وزارية أخرى لحزبه طبقا لاتفاق «الليكود» و«إسرائيل بيتنا».

ولهذا لم يكن غريبا أن تلجأ مصادر إسرائيلية مثل صحيفة «هاآرتس» إلى التهوين من تولى ليبرمان حقيبة الخارجية، كموقف عدائى ضد السلام وضد مصر، بادعاء منسوب إلى السفير المصرى فى تل أبيب ياسر رضا، جاء فيه، أن مصر مستعدة للتعامل مع ليبرمان لو تولى حقيبة الخارجية. بل ادعت «هاآرتس» أن مصر وجهت الدعوة لنتنياهو فى أول فرصة بعد تشكيل حكومته. ومثل هذه الادعاءات فيها من الكذب والتلفيق أكثر مما فيها من الحقيقة، حيث لا توجد أى أرضية مشتركة لا مع نتنياهو الذى يعارض قيام الدولة الفلسطينية، ولا مع ليبرمان الذى يطالب بإسقاط حكومة حماس فى غزة وحرمان الفلسطينيين الذين خرقوا الولاء للدولة اليهودية. إذ من غير المعقول أن يتبرع سفير مصر بهذه العروض السخية لشخصيتين كريهتين مثل نتنياهو وليبرمان.

وسوف يكون من سابع المستحيلات أن تتنازل مصر عن كرامتها ومبادئها، وعن سياسة السلام التى تنتهجها، لو سمحت لشخص مثل ليبرمان بأن تطأ قدماه التراب المصرى، أو يضع يده فى يد مسئول مصرى، وسوف يكون من حق مصر والدول العربية أن تطالب المجتمع الدولى، باتخاذ موقف صريح وقاطع إزاء نتنياهو وحكومته. خصوصا أن اللجنة الرباعية وأمريكا والاتحاد الأوروبى مازالت تطالب حماس بالاعتراف بإسرائيل كشرط للموافقة على حكومة وحدة وطنية، استجابة لشروط الرباعية الدولية، ونبذ العنف والاعتراف باتفاقيات أوسلو.. فلماذا يطالب المجتمع الدولى حماس بهذه الشروط ولا يطالب بها الطرف الإسرائيلى؟!

لقد طالب أحمد الطيبى، العضو العربى فى الكنيست، بأن يمتنع المسئولون فى الاتحاد الأوروبى عن اللقاء مع ليبرمان ومقاطعته فى حال توليه وزارة الخارجية الإسرائيلية. كما طالب العرب بعدم التعامل معه، سواء بصفة سرية أو علنية..

فإذا نجحت الفصائل الفلسطينية فى إنجاز المصالحة التاريخية، وحسم القضايا التى مازالت معلقة عن طريق المحادثات الجارية برعاية القاهرة، فسوف يكون هذا الموقف أبلغ رد على غطرسة نتنياهو وعدوانية ليبرمان!  

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved