الثورة «طلعت قماش»
وائل قنديل
آخر تحديث:
الخميس 21 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
الخوف كل الخوف أن تغرق الثورة فى بحيرة من النكت والقفشات، سواء كانت لطيفة أم سخيفة، لأن الاستمرار فى الاستسلام لمنطق « الإيفيه الثورى» من شأنه أن يبتذل القضايا الحقيقية، ويهدر الطاقة فى سفاسف وتوافه الأمور، ويخلط الجد باللعب بالمسخرة.
خذ عندك: أطنان من الكلام والسفسطة استهلكت فى مهذلة إعلامية كاملة الأركان عن تغيير القوات المسلحة للزى الخاص بالجيش الثالث الميدانى بعد ساعات من إعلان شائعة سرقة حماس «عروس المقاومة ضد المحتل الصهيونى» لأقمشة خاصة بالجيش وتهريبها إلى غزة.
ولا طائل هنا من الاستغراق فى مناقشة مسألة سرقة وتهريب ملابس جيش نظامى عريق وكبير، ذلك أن هذا ربما يخدش صورة الجيش، لكن ما يستحق التوقف عنده هو هذه السرعة الرهيبة فى اختيار ألوان الزى الجديد وتفصيله وتوزيعه على الأفراد فى لمح البصر.
لكن اللافت أن موضوع سرقة القماش وتهريبه جرى توظيفه فى تثبيت تلك الصورة المصطنعة عن أن الفلسطينيين يسرقون زى جيش مصر لكى يحاربوا به الشعب المصرى ..وأن حماس هى العدو وهى الخطر وهى منبع الشرور، بينما إسرائيل الوديعة الرقيقة لا خطر منها.. وصولا إلى أن حماس تعادى جيش مصر، وطبعا حماس صديقة نظام الحكم الجديد فى مصر.. إذن النظام عدو الجيش، هيا نسقط النظام وندعو الجيش لانقلاب عسكرى.
إن الذين أفرطوا فى التطبيل والرقص الخليع على إيقاع أكذوبة تغيير القوات المسلحة للزى العسكرى خوفا من استخدام حماس له، لن يشعروا بالخجل وهم يطالعون تصريحات رسمية صادرة من القوات المسلحة تنفى من خلالها بشكل قاطع أن يكون قرار تغيير الزى وليد اللحظة، أو رد فعل لحكاية تهريب الأقمشة كما نقلت بوابة الأهرام تأكيدات من مصدر عسكرى على أن «تغيير الزى العسكرى، غير مرتبط بعملية إحباط تهريب أقمشة مشابهة لزى القوات المسلحة والشرطة إلى غزة، وإن فلسفة تغيير الزى رمزية ودليل على القيادة الجديدة، لافتا إلى أن فكرة تغيير الزى أطلقها الفريق أول عبدالفتاح السيسى منذ أغسطس الماضى، بعد توليه قيادة القوات المسلحة».
وبالطبع لن يهتم أحد أو يفكر فى الاعتذار عن التضليل والتدليس والهلوسة الإعلامية، بل سيبدأ البحث عن حدوتة جديدة، وتفصيل قصة أخرى يتم مضغها بالرقاعة ذاتها، التى لاكت بها الألسنة الثورية المستحدثة حكايات التوكيلات والدعوات لانقلاب الجيش على الرئيس.
وفى أوضاع كهذه من الطبيعى أن يعمى البعض أو يتعامى عن مرافقة وزير الدفاع لرئيس الجمهورية فى رحلته الآسيوية، وكأنهم أصيبوا فجأة بضعف الإبصار، بعد أن كانت أعينهم قادرة على رصد إصدار توكيل للفريق السيسى فى أصغر مكتب شهر عقارى بأبعد نقطة على خريطة مصر.
لقد جرت عمليات حقن للدماغ المصرية بكميات خرافية من الآكاذيب الممنهجة طوال الفترة الماضية حتى فقد الناس القدرة على الاستجابة أو القابلية للشعور بالدهشة، وأخشى أن يصل الآمر إلى التعامل مع كل شئ باعتباره نكتة إلى أن يثبت العكس، ولم لا وأبواق «الثورة المهجنة» تهتف «طلعت قماااااش».