شبح جمال مبارك
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 21 مارس 2016 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
فيما يشبه الرفض التام لكل السياسات المتبعة حاليا، يرى فصيل من المعارضين الآن أنه لم يعد يفصلنا سوى أمتار أخيرة، لكى تكتمل أركان دولة «المحافظين الجدد» التى سعى حسنى مبارك وولده جمال لبناء نسختها الأمريكية فى مصر، وجاءت ثورة يناير لتهدمها فوق رأسيهما حجرا وراء حجر.
لم تعد هناك فروق جوهرية بين سياسات الفكر الجديد للحزب الوطنى المنحل، ذات التوجه اليمينى المتطرف، والساعية لإبعاد الدولة عن أى دور اجتماعى، وبين الترتيبات الاقتصادية السائدة الآن، والتى تستهدف رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، والاحتكام لسعر السوق، وتحميل الفقراء فاتورة عجز الموازنة العامة للدولة، والرهان على القطاع الخاص لعبور الأزمة الطاحنة التى نواجهها الآن، من خلال الاعتقاد الخاطى بقدرته على تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وتوظيف ملايين العاطلين بما يقلل من نسبة البطالة، وهى أهداف ثبت بالدليل القاطع عدم قدرة القطاع الخاص على تنفيذها.
فى زمن جمال مبارك، كان صدى نجاح الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان، وحليفته رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت ثاتشر، فى تحقيق رواج اقتصادى مذهل فى بلديهما، دافعا للنظام المصرى آنذاك لتحقيق طفرة اقتصادية، أسفرت فى النهاية عن نتائج مخيبة للآمال، حيث أعلن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء قبل ثورة يناير بعام واحد أن معدلات الفقر فى مصر ارتفعت لتصل إلى 25.2% فى عام 2010، فى حين أصبحت هذه النسبة العام الماضى 2015 نحو 26.3% طبقا لبيانات جهاز الإحصاء، رغم أن تقديرات بعض الاقتصاديين تؤكد ان هذه النسبة تزيد عن 50 %، مع حساب خط الفقر بطريقة صحيحة، وليس على طريقة البيانات الرسمية التى تحاول تزيين الواقع، كما يؤكدون أيضا أن 1% من الأغنياء يسيطرون على نصف الثروات فى مصر، بينما بلغت نسبة «الفقر المدقع» 4.4% من السكان.
كل الارقام والنسب الاقتصادية للمنظمات الدولية، والتى لا يتسع المجال هنا لسردها، تؤكد أن معدلات الفقر تتزايد عاما وراء عام، ومنها مؤشرات دالة على فشل السياسات الاقتصادية المتبعة حاليا، منها عدم التوزيع العادل لثمار التنمية، وحصول الشركات الكبرى على ميزات كبرى، وتهرب بعضها من دفع الضرائب الحقيقية المستحقة عليها، وتحميلها بالكامل على الفقراء ومحدودى الدخل، وارتفاع مستويات التضخم التى تلتهم القوى الشرائية لهذه الفئات، مع ارتفاع معدلات البطالة وخاصة بين الشباب.
لا أريد أن أقول إن شبح جمال مبارك مازال مسيطراعلى فلسفة التوجهات الاقتصادية الراهنة فى مصر، لكن المؤكد أن العقلية أدار بها البلاد خلال فترة هيمنته على الحكم، لا تزال سائدة حتى الآن، ولاتزال اختياراته البائسة فى معاداة العدالة الاجتماعية، معمولا بها حاليا.
صحيح ان هناك خطابا حكوميا جديدا حاليا، يغازل طموحات الفقراء فى مصر، ويحاول ان يلبى طموحاتهم فى حياة كريمة، لكن توجهات هذا الخطاب فى ترجمتها الواقعية، لاتزال حبيسة زنزانة آل مبارك، واختياراتهم الطبقية المعادية لمحدودى الدخل.
حتى الآن، رءوسنا لم تصطدم بالحائط بعد، هناك فرص للتراجع عن هذه التوجهات الاقتصادية الحالية، صحيح ان هذه الفرص تتضاءل بمرور الوقت، لكنها لاتزال موجودة، لأن غيابها فعلا سيعرض البلاد لهزات اجتماعية، تسودها الفوضى التى لن ينجو منها احد، فى ظل غياب أى تنظيم ثورى يمكنه ان يقدم سياسات واضحة كبديل مقبول جماهيريا للسياسات الحالية.
نحن الآن نسير فوق جمر مشتعل يلسع أقدام الفقراء فى مصر، وقدرتهم على احتمال هذه اللسعات هى ــ فقط ــ التى تضمن بقاء استقرار الأوضاع حاليا فى مصر..لا أكثر ولا أقل!!
محمد عصمت