لعنة الله على الجانب المظلم من وسائل التواصل الاجتماعى، التى تحولت خلال اليومين الماضيين إلى «وسائل التنافر الاجتماعى» بين الشعبين المصرى والسودانى، بمشاركة من بعض وسائل الإعلام التقليدية.
فجأة امتلأت صفحات الفيس بوك وتويتر بآلاف التعليقات على خلاف مصرى سودانى بشأن تصريحات لوزير الإعلام السودانى أحمد بلال عثمان، قال فيها إن السودانيين حكموا مصر، وأن النبى موسى كان سودانيا وكذلك فرعونه، وأن أساتذة تاريخ سودانيين سيقومون بتنقيح كتب التاريخ لإثبات أن حضارة بلاده هى الأقدم وأن أهرامات البجرواية فى منطقة مروى أقدم من الأهرامات المصرية.
فى تقديرى أن الوزير السودانى لم يكن موفقا بالمرة حينما يدخل فى ملاسنة بشأن الآثار، التى هى موضوع جدلى يناقشه أساتذة وخبراء متخصصون، ومكانه الندوات والمؤتمرات الضيقة المتخصصة وليس وسائل الإعلام العامة.
ولم تكن بعض وسائل التواصل الاجتماعى موفقة وهى تخوض فى أعراض وسمعة وتاريخ البلدين. وللأسف انجرفت الغالبية العظمى إلى «حرب قذرة وتقطيع هدوم» تذكرنا بمعارك «حوش بردق» فى الأربعينيات من القرن الماضى بين عوالم شارع محمد على!.
من الطبيعى أن تختلف الحكومتان هنا وهناك أمس واليوم وغدا، لكن أن يشتبك أبناء البلدين ويتعمد كل طرف الإساءة للبلد الآخر وتاريخه وعاداته وتقاليده، فتلك هى روح جاهلية متعصبة ومتخلفة تشكك فى مدى جدية كلامنا طول الوقت عن «العلاقة الأزلية بين الشعبين»!.
من حق السودان بالطبع أن يستقبل أى مسئول أجنبى شعبى أم رسمى، ومن حقه أن يطور مناطقه الأثرية، لكن ليس من الحكمة لبعض مسئوليه أن يتصرفوا بهذه الطريقة.
ومن المحزن والمؤسف أن الكتابات المصرية بشأن السودان كانت شديدة التفاهة وتفوح منها روح عنصرية.
ما لا يعلمه هؤلاء أن هذه الإساءات لا يمكن نسيانها بسهولة، ولم يتعظ بعض الإعلاميين السذج من درس معركة أم درمان عقب مباراة مصر والجزائر وقتها، وهى المعركة التى سببت جرحا غائرا لاتزال بعض آثاره موجودة حتى اللحظة.
علاقة مصر والسودان شديدة الحساسية لأسباب تاريخية متعددة، وتزداد الحساسية حينما تتدهور العلاقات وهو الأمر الذى لا ينكره كثيرون. ولذلك فإن ما يميز العلاقة فى بعض الأوقات شعار «لا أحبك.. ولا أقدر على بعدك».
فى الشهور الأخيرة هناك إشارات قلق كثيرة وصلت إلى القاهرة بفعل تصرفات غير مفهومة من الحكومة السودانية، منها محاولة الخرطوم استغلال الخلاف المصرى السعودى، والخلاف المصرى القطرى، يضاف إليها التصريحات الغريبة التى أطلقها الرئيس السودانى عمر البشير بشأن مشاركة مصر العسكرية فى المعارك التى تدور فى جنوب السودان.
مازاد الأمر تعقيدا وجود تقارير صحفية غير مؤكدة تتحدث عن محاولات من بعض دول الإقليم لنقل أو استنساخ تجربة داعش فى الجنوب، بعد إضعافها فى سيناء، وتتحدث تقارير عن ضربة مؤثرة وجهتها قوات الأمن إلى بعض عصابات داعش قرب الحدود مع السودان، وعودة ظهور عصابات القرصنة على ساحل البحر الأحمر، خصوصا عند باب المندب، إضافة إلى شكاوى مصرية متكررة من إيواء الخرطوم لعناصر إخوانية وسلفية متعددة.
ليس سرا أن الرئيس عبدالفتاح السيسى مد يده للبشير أكثر من مرة، ولعبت الخارجية المصرية دورا مهما فى إعادة ضبط العلاقات، لكن من الواضح أن بعض الأجهزة المصرية ترى أن الحكومة السودانية لا تتمتع بالشفافية الكافية، وأنها قدمت وعودا كثيرة للقاهرة لم تلتزم بها، وأنها تستخدم «ورقة حلايب وشلاتين» لمحاولة مغازلة الرأى العام الداخلى مثلما حدث فى الأيام الأخيرة، حينما دعت وزارة الخارجية السودانية إلى حشد كل الجهود لاستعادة المثلث الحدودى.
مرة أخرى فلتختلف الحكومتان مع بعضهما البعض بكل الطرق الدبلوماسية، لكن ما هى الفائدة من إقحام الشعبين فى هذه المعركة، ومن هو المستفيد من توتير علاقات البلدين، وكيف يقع مسئول هنا أو هناك فى فخ التعميم وعدم دراسة الموضوع قبل أن يفتى فيما لا يعرفه!.
نتمنى أن تتحرك الجهات الرسمية فى البلدين باسرع ما يمكن لاحتواء الأزمة، وأن يتوقف الجميع عن صب الزيت على النار، التى هى مشتعلة أصلا، وليست تحت الرماد!!.