نحن بعيدون عن النصر المطلق.. وهذه هى الأسباب
من الصحافة الإسرائيلية
آخر تحديث:
الخميس 21 مارس 2024 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
يقول الكاتب إن بنيامين نتنياهو، «رجل الأمن»، و«الاستراتيجى»، أوصلنا إلى هذا المستنقع العميق، وإلى أخطر أزمة أمنية فى تاريخ الدولة. ومجموعة التهديدات الناجمة عن ذلك قد تكون وجودية، لذلك، المطلوب معالجة فورية. هذه الأزمة ليست قدرا. لقد قادنا نتنياهو من تقصير أمنى وطنى إلى آخر، وصولا إلى 7 أكتوبر. فعل ذلك بغطرسة لا متناهية، وانفصال متزايد عن الواقع، مع مستشارين فاشلين، وجنون عظمة لا نهاية له، وقبل كل شىء، زعامة شخصية تعتمد على الشرذمة والكذب.
ويضيف الكاتب أن نتنياهو يسيطر على دولة إسرائيل طوال 90% من الوقت منذ وصوله إلى الحكم فى سنة 2009. وقائمة الإخفاقات، التى يتحمل هو المسئولية عنها، فى هذه الفترة، لا يمكن حصرها:
نتنياهو هو الذى أقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران، الأمر الذى سمح لإيران، فى رأى كثيرين من الخبراء، بالتحول إلى دولة على عتبة النووى، وقريبة جدا من القنبلة.
خلال فترة حكم نتنياهو، تحولت حدودنا مع جارتنا الشرقية الأردن إلى حدود مخترقة.
المنطقة الفاصلة بين الضفة الغربية وبين الخط الأخضر أصبحت مخترقة بالكامل فى الأعوام الأخيرة، وتتدفق عبرها كميات السلاح غير القانونى، الموجود فى داخل دولة إسرائيل، ويشكل تهديدا للأمن القومى للدولة.
خلال ولاية نتنياهو، وصلت الحوكمة فى داخل دولة إسرائيل إلى أدنى مستوياتها، وباتت تشكل خطرا على الأمن القومى. والوضع يصبح أخطر فأخطر، مناطق كثيرة فى النقب والجليل ووادى عارة، والمثلث، وفى المدن المختلطة، أصبحت خارج السيطرة. لقد سيطرت عائلات المافيا، وفرضت قوات للحماية، كما سيطرت على السلطات المحلية، وعلى المناقصات فى شتى أنحاء الدولة، وفى بعض الحالات، على مناقصات فى وزارة الدفاع.
فى ظل قيادة نتنياهو، خرج الوضع الأمنى فى مناطق الضفة الغربية والقدس عن السيطرة، وتحديدا فى المنطقة التى نستطيع الوصول إليها، عسكريا، منذ عملية «الجدار الواقى»؛ خلال ولاية نتنياهو، تكررت موجات الهجمات الصعبة فى الضفة الغربية، وفى منطقة القدس، وفقدنا السيطرة الأمنية على شمال الضفة بالكامل. وأصبح الوضع سيئا لدرجة أن إسرائيل اضطرت إلى القيام بتوغلات عسكرية واغتيالات مركزة من الجو فى شمال الضفة.
إلى جانب هذا كله، ازداد فقدان السيطرة على المتطرفين والمسيانيين اليهود فى الضفة الغربية. وماذا فعل نتنياهو حيال ذلك؟ شكل مع المتطرفين المسيانيين ائتلافا بقيادته، حاول من خلاله قيادة انقلاب دستورى فى دولة إسرائيل. ونتيجة ذلك، ازدادت الاحتكاكات بالفلسطينيين من طرف هؤلاء المتطرفين اليهود الذين يحظون بتأييد علنى من أطراف فى حكومة نتنياهو الفاشلة.
نتنياهو منح المتطرفين المسيانيين المتعصبين القوميين 3 وزارات استراتيجية: أعطى وزارة الأمن القومى لبن غفير، مشعل الحرائق، والأضرار التى تسبب بها لأمن الدولة دراماتيكية. وأعطى سموتريتش، المسيانى المنقطع عن الواقع، وزارة المال ووزارة ثانية فى وزارة الدفاع تعنى بشئون الاستيطان فى الضفة الغربية. والضرر الذى لحق بالشرطة وبميزانية الدولة، منذ ذلك الحين، كبير، بالإضافة إلى عدم السيطرة على المستوطنات، وعلى العناصر المتطرفة وسط المستوطنين.
من دون أى تخطيط، نشأ فى فترة نتنياهو واقع مستحيل لدولة واحدة فيها 4 كانتونات، علاقاتها ببعضها البعض إشكالية: واحد لليهود والأقلية العربية، والثانى لليهود فى الضفة الغربية، والثالث للفلسطينيين فى الضفة الغربية، ورابع لـ«حماس» فى قطاع غزة. وهذا واقع مستحيل، يؤدى إلى انفجارات أمنية متكررة، فى غياب حل معقول.
من أجل خدمة أهدافه السياسية والقضائية، واصل نتنياهو مهمته بتدمير وحدة المجتمع الإسرائيلى. لقد عمل طوال سنوات على تحريض اليمين ضد اليسار والوسط، واليهود ضد العرب، والمتدينين ضد العلمانيين، وأيقظ الشيطان الطائفى. وبواسطة قاعدته، يردد رسائل الكراهية السامة، صبحا ومساء، فى شبكات التواصل الاجتماعى، وفى وسائل الإعلام.
بيْد أن الأخطر من هذا كله، استمرار نتنياهو فى الكذب على الناس فى إسرائيل. وعمليا، أصبحت ثقافة الكذب رمزا لحكمه، وسيطرت على الحيز العام بالكامل، وعلى السردية الإسرائيلية، وعلى تحركات الحكومة. والمشكلة أن ثقافة الكذب والتبجح والعجرفة تسللت سريعا إلى المنظومات المهنية التى قدست نظريات باطلة يروجها زعيم الكذب. هذه الثقافة هى ثقافة مدمرة.
هل نحن على طريق النصر المطلق؟
يظهر فحص النتائج فى نهاية 5 أشهر من القتال أنه على الرغم من الإنجازات المهمة للجيش والشاباك، فإننا ما زلنا بعيدين عن تحقيق «النصر المطلق»، وفق نتنياهو، وسأفسر الأسباب:
كان يجب أن تدلنا تجارب العمليات السابقة على أن الشرعية الأمريكية والدولية تتبدد بعد أسابيع من بداية الحرب. هذه المرة، أضيفت إلى ذلك الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة فى نوفمبر 2024، ومداولات المحكمة الدولية فى لاهاى، التى تعقد الوضع كثيرا، ويمكن أن تمنع، أو تقيد كثيرا تنفيذ المرحلة الأكثر أهمية من مراحل القضاء على «حماس». وفى هذه الأثناء، هناك الأزمة الإنسانية التى تزداد اتساعا.
توجد مناطق واسعة جدا من القطاع غير خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلى، أو خاضعة له جزئيا. على سبيل المثال، مخيمات اللاجئين فى وسط غزة (البريج والنصيرات والمغازى) ودير البلح، وأجزاء من منطقة خانيونس. شمال القطاع، يمكن الوصول إليه بصورة كاملة، عملانيا، بالنسبة إلى القوات الإسرائيلية، لكنه لا يزال بعيدا عن السيطرة الأمنية الكاملة.
فى هذه المرحلة، لا يبدو أننا اقتربنا من استعادة المخطوفين بالوسائل العسكرية. وما دامت إعادة المخطوفين تجرى بواسطة صفقة سياسية، فمن المحتمل جدا أن يكون لذلك تداعيات مهمة على استمرار القتال، وعلى تحقيق الأهداف العسكرية المعلنة.
العدد القليل للقوات التى يحتفظ بها الجيش الإسرائيلى فى القطاع، يدل على أن الجيش ليس مستعدا لاستكمال مهمة حرمان «حماس» من قدراتها العسكرية.
الوضع على الجبهة الشمالية لا يتحسن، ويتعين على الجيش نقل جزء من القوات إلى هناك من أجل تحسين جاهزيته فى حال حدوث تدهور إضافى فى المواجهة مع حزب الله.
من أجل تعزيز إنجازات الحرب التى لا تزال جزئية حتى الآن، الجيش مضطر إلى تخصيص عدد كبير من القوات النوعية للمستنقع الغزى. وسيجد الجيش نفسه يعمل انطلاقا من منطقة أمنية يقيمها على طول الحدود مع القطاع، ويقوم بشن غارات دورية،على أمل الحفاظ على هذه الإنجازات.
على الرغم من إنجازات الجيش، فإن أى طرف لن يستطيع السيطرة على القطاع عسكريا، ما دامت «حماس» لم تهزم كجيش يخوض حرب عصابات بصورة كاملة. وفى تقديرى، هذا يتطلب جهدا استخباراتيا وعسكريا مكثفا، مدة عامين على الأقل.
من المستحيل الحديث عن النصر المطلق من دون معالجة «اليوم التالى». وفى ظل غياب طرف قادر على ضبط القطاع، مدنيا وعسكريا، ويحافظ على إنجازات الحرب، فإن هذه الإنجازات ستتلاشى، وسترهقنا «حماس» بحرب عصابات، وستزداد الفوضى فى القطاع، وستذهب كل جهود جنودنا وتضحياتهم المؤلمة سدى. ليس لدى نتنياهو وحكومته الفاشلة أى خطة واقعية لـ«اليوم التالى».
يوفال ديسكن
رئيس سابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلى (الشاباك) قناة N12
مؤسسة الدراسات الفلسطينية