قطيعة
غادة عبد العال
آخر تحديث:
الأربعاء 21 أبريل 2010 - 1:20 م
بتوقيت القاهرة
من ملايين السنين وبينما يمشى أحد جدودك فى الغابة مرت من أمامه غزالة مكلبظة.. دفعه دافع خفى لأن يوقع بها ويعود بها إلى المدام التى ملأت الدنيا صراخا منددة بخيبة زوجها التقيلة، يعنى هى ريقها نشف وهى بتحفظه يجيب قلقاس يرجعلها هو بغزاله؟..
حاول جدك بكل الطرق أن يقنع المدام بأهمية صيده وقطع قطعة من اللحم وقربها منها فتناولتها لتلقى بها على طول ذراعها لتسقط فى النار التى أشعلتها أمام الكهف لتتصاعد رائحة الشواء فتخرج جميع نساء الكهوف المجاورة لينظرن للمدام بحسد وغيرة وتمسك هى فى ذراع زوجها رافعة رأسها فى فخر وتبدأ الحكاية، القدرة على شراء اللحوم وتناولها بشكل منتظم هى أكثر من مجرد عادة غذائية، بل هى مقياس للمستوى المادى للإنسان، على الأقل هنا فى مصر،
ولذلك كان جدك فى الثلاثينيات يعود من عمله بعد تلقيه علاوة حاملا كنزه الثمين مصرحا تصريحا تاريخيا لزوجته «زغرطى يا فكيهة، النهاردة هناكل ظفر»، لتملأ فكيهة الدنيا زغاريد وتفتح جميع شبابيك المنزل ليشهد جميع أهل الحى على تصاعد الأبخرة المصرحة بوجود اللحم فى هذا المنزل، جدى رحمه الله كان يصر على أن ينتهز أى فرصة لمقارنة مرضه بأمراض الآخرين، فبينما ينتمى الجميع لاتحاد مرضى الضغط والسكر المصرى الشهير كان يفتخر هو بأنه من مرضى «النقرس» لأن هذه الحقيقة من وجهة نظره كانت تعنى أنه ابن عز وبياكل لحمة كتير،
أبى أيضا فى بداية حياته كان دوما يخبر الجميع فى اعتزاز أنه قادر على جعل أولاده يأكلون اللحم بانتظام طوال أيام الأسبوع، ومازالت العائلة بأكملها تنتهز أى فرصة ليبدأ الجميع فى الحديث عن حفل زفاف إحدى عماتى الذى أقيم فى السبعينيات ضاربين المثل بالبوفيه الذى احتوى على كمية مهولة من اللحوم الحمراء، هذه الأنماط من السلوك هى ما يضعنا الآن جميعا تحت رحمة جشع أصحاب المزارع والذى تسبب فى ارتفاع أسعار اللحوم بشكل جنونى، مجرد تفكيرك فى تمن 4 ــ 5 كيلو لحمة لازم يخلى عينيك تتملى بالدموع.
نعيش فى مجتمع استهلاكى ليس له روابط محددة، ترتفع الأسعار أو تنخفض (ده لو انخفضت يعنى؟) بناء على أسباب نجهلها ولا نتلقى إجابات عن أسئلتنا عنها لأن جميع «الكبار» يؤمنون بأن الحكمة الوحيدة التى يجب أن تطبق على الشعب المصرى هى «الجهل نعمة»، هل ترتفع أسعار اللحوم لتطبيق السياسة الخاطئة فى ذبح الإناث على مدار الـ5 سنوات السابقة، هل ترتفع أسعار اللحوم لأن هناك من يريدها أن ترتفع حتى يعزف الناس عن شرائها فيتجهون لشراء اللحوم المستوردة التى يستوردها هو؟ هل الارتفاع طبيعى أم جزء من مخطط كبير؟ لا أنا ولا أنتم نقدر نجاوب على الأسئلة دى، لكن يمكن نقدر نجاوب على سؤال تانى: «إزاى ممكن نخلى سعر اللحمة ينخفض؟»،
والإجابة هى «المقاطعة»، مش هقولك قاطع اللحوم عشان تحس بجارك الفقير لأننا بطلنا من زمان قوى نحس ببعض، ولا هاقولك قاطعها عشان على الأقل فى دى لازم يبقى قرارك ومصيرك فى إيدك لأن الكلام الكبير ده بيجيبلك أرتكاريا وبيدخل من الودن دى ويخرج من صابع رجلك الصغير ولا بيفرق معاك، مش هاحكيلك عملوا إيه فى إنجلترا مع اللحوم أو فى فرنسا مع السمك عشان دول أجانب وإيش جاب لجاب؟
لكن هاقولك قاطعها أو على الأقل قلل استهلاكها عشان ما تنضربش على قفاك، اقتضى بما قاله عمر بن الخطاب 1400 سنة لما جاء الناس إليه واشتكوا من غلاء اللحم فقالوا: سعره لنا فقال: أرخصوه أنتم، فقالوا :نحن نشتكى غلاء السعر واللحم عند الجزارين فكيف نرخصه وهو ليس فى أيدينا؟ فقال: أتركوه لهم، سيبوهولهم يا جماعة وصدقونى مش هيفرق فى احترامك لنفسك إنك ماقدرتش تاكل ولا تأكل العيال لحمة النهاردة فيه فراخ فيه سمك فيه فول لو قفلت معاك خالص بأه، قاطعها ولما تبوظ عند الجزارين غضب عنهم هيعدلوا السعر، ببساطة كده يعنى، قطيعة تقطع الحاجة اللى تذلك يا عم، طالما مش قدها إذا فهى القطيعة بيننا وبينها، جرب وخلى غيرك يجرب، مين عارف، يمكن نقدر من تانى ناكل كيلو لحمة ما يعديش تمنه الـ60 جنيه.