النيابة والإعلام بين «المتظاهرين» و«المجرمين»
أحمد منصور
آخر تحديث:
الأحد 21 أبريل 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
جمعنى لقاء على غير موعد قبل أيام مع المستشار مصطفى دويدار الناطق الرسمى باسم النيابة العامة المصرية، وهو شاب مهذب ومثقف حاصل على الماجستير فى القانون من إحدى الجامعات الأمريكية ولديه حضور وقدرة جيدة على شرح فكرته وتقديمها للناس بشكل واضح ومختصر، تحدثنا فى أمور عديدة ثم جرنا الحديث إلى التغطية الإعلامية للأحداث الجارية فى مصر لاسيما ما يتعلق بالنيابة العامة وأدائها، فتحدث إلى شاكيا مر الشكوى من الطريقة التى يتناول بها الإعلام المصرى الأحداث وكيف أن الإعلام يتجنى على النيابة وإنجازاتها ويختزل بياناتها ويقدمها بشكل خاطئ ملىء بالتدليس والكذب والتحريف وبشكل يبدو متعمدا فى كثير من الأحيان كما أنه يجتزئ العبارات ويحرف المقاصد ويشوه الحقائق ويحول إنجازات النيابة إلى إخفاقات أو تجاوزات أو يطمسها فلا تصل إلى الناس، والعجيب فى تغطية الإعلام المصرى لأخبار النيابة العامة أنه حينما يشوه خبرا أو يجتزئ بيانا أو يحرف عبارة فإننا نجد الصحف فى الصباح تنشره كعناوين رئيسية بشكل مضلل ثم تقوم برامج التوك شو فى المساء بتسليط الضوء فى حلقات وحلقات بشكل ملىء بالتدليس والتشويه وبطريقة تكاد تكون واحدة ومن ضيوف يتكررون فى معظم الفضائيات وكأن الجميع يتلقى تعليماته من جهة واحدة أو من مايسترو يوجه العازفين ليقوم كل بأداء دوره فيبدو الخبر المنشور والتغطية التليفزيونية من بعده وكأنها أعدت من جهة واحدة ثم وزعت على الجميع ثم يقوم هذا بإضافة عبارة وذاك بتغيير جملة حتى لا يفتضح الأمر، وفى كثير من الأحيان نصدر بيانا نكذب فيه ما نشرته الصحف فى الصباح أو نصححه، إلا أننا نفاجأ بأن برامج التوك شو فى المساء تتجاهل التكذيب أو التوضيح الذى أصدرناه فى بعض الأحيان وتصر على تناول الموضوع ومعالجته بالشكل الخاطئ الذى نشرته عليه الصحف فى الصباح، وفى كثير من الأحيان إذا شاركنا بمداخلة وشرحنا للمشاهدين ولمقدم البرنامج حقيقة ما تقصده النيابة أو أن الخبر تم اجتزاؤه أو اختصاره أو تشويهه وأن البيان الصحيح منشور نفاجأ بأن مقدم البرنامج لم يطلع إلا على ما قدمه له المعدون وبعضهم يدخل فى جدل بغير علم بل يتكلم أكثر مما يتكلم ممثل النيابة وغالبا ما يكون كلامه مليئا بالأغلاط المتعمدة أو التى فهمها بالخطأ، وأبسط الأمثلة على ذلك بيان النائب العام الذى ذكر فيه الشعب المصرى بحقه بل ومسئوليته فى إلقاء القبض على كل من يضبط متلبسا بالسرقة أو التخريب وتسليمه إلى أقرب مأمور ضبط قضائى وهى مادة ثابتة فى قانون الجنايات عمرها يزيد على ستين عاما، وكان المصريون يطبقونها طوال العقود الماضية وهى باختصار شديد إذا وجدوا سارقا أمسكوه وسلموه للشرطة وإذا وجدوا من يقطع الطريق أمسكوه وسلموه للشرطة وإذا أمسكوا قاتلا أو هاربا سلموه للشرطة وهكذا، إلا أننا فوجئنا بالعناوين الرئيسية فى الصحف تشوه البيان بشكل متعمد وبالبرامج التليفزيونية تتناول الموضوع بشكل معيب تحت عنوان «النائب العام يمنح الضبطية القضائية للشعب» وهناك فرق شاسع بين الضبطية القضائية وبين القبض على المجرم وتسليمه للشرطة والعجيب أننا نرى العشرات من نجوم الفضائيات من علماء القانون يدلى كل بدلوه ليشوه المقصد.
صمت المستشار دويدار برهة وأنا أستمع إليه ثم قال: هل الذى يقطع الطريق أيا كان يسمى مجرما أم متظاهرا كما تسميه وسائل الإعلام المصرية؟ وهل الذى يسرق سيارات الشرطة ويحرقها يسمى مجرما أم متظاهرا؟ وهل الذى يدمر منشآت الدولة التى هى ممتلكات الشعب يسمى متظاهرا أم مجرما؟ وهل... وهل... وهل؟ وأخذ يعدد ما يجرى فى شوارع مصر كل يوم من جرائم وحرائق وقطع طرق وتسمية وسائل الإعلام المصرية لما يقومون به بأنهم متظاهرون.. ثم اختتم كلامه قائلا: إن النيابة تسمى هؤلاء «مجرمين» والقانون يسميهم «مجرمين» فأرجو أن تطلب من الإعلاميين الشرفاء أن يسموا الأشياء بمسمياتها وأن يعرفوا حقيقة هؤلاء للشعب والحقيقة أن كل من يقوم بهذه الجرائم يسمون مجرمين وليسوا متظاهرين.