مستقبل التصاعد السلطوى «٢٠١٨ ــ ٢٠٣٠»
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
السبت 21 أبريل 2018 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
بعد أن تراجعت الديموقراطية عالميا، هل يمكن إيقاف هذه الموجة السلطوية من الانتصار؟ هل يمكننا المساعدة فى إيقاف تدهور الديموقراطيات عالميا؟ كيف سيبدو العالم بعد ١٠ سنوات من الآن؟ هذه أسئلة ثلاثة أحاول أن أختم بها سلسلة مقالات السلطوية التى بدأتها قبل أكثر من شهر.
أولا وفى الإجابة عن السؤال الأول، فإن الرد المختصر هو لا! لا يمكن إيقاف هذه الهجمة الشرسة للتصاعد السلطوى عالميا، وذلك ببساطة لأن أسباب انتشار السلطوية هى أسباب هيكلية، أى متعلقة بطبيعة عمل وتفاعل النظم السياسية دوليا وإقليميا، وهو التفاعل المبنى على أسس رأسمالية بحتة، وطدت حكم وسيطرة النخب الأمنية والرأسمالية والسياسية فى الغالبية العظمى من دول العالم، مستبعدة بذلك جموع الجماهير من الحكم، ومتحايلة على معانى التمثيل السياسى والنيابى للشعوب فى المعادلة السياسية! حتى يمكن إيقاف هذا التصاعد السلطوى، فلابد من ثلاثة إجراءات محورية، الإجراء الأول يتمثل فى إعادة رسم السياسات الرأسمالية عالميا لتلتزم بحد أدنى من المسئولية الاجتماعية تجاه الطبقات الأكثر عوزا، ويتمثل الإجراء الثانى فى ضرورة تحجيم نفوذ النخب الأمنية والحد من صلاحيتها واستثماراتها الدولية، بينما يتمثل الإجراء الثالث والأخير فى ضرورة إعادة الاعتبار لليبرالية السياسية وما يستلزمه ذلك من إعادة التأكيد على الالتزام بحقوق الأقليات وإعادة الاعتبار لمفاهيم حقوق الإنسان والتعددية!
هذه الإجراءات تتطلب إعادة رسم أجندة وهياكل الاقتصاد السياسى عالميا، وما يستتبعه ذلك من ضرورة إعادة رسم سياسات صندوق النقد والبنك الدولى وغيرها من حزمة السياسات الاقتصادية الدولية المعروفة باسم «إجماع واشنطن» والتى أسست العلاقات الاقتصادية والإقليمية الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى وحتى اللحظة. وكما هو واضح فإن هذه الإجراءات معقدة وتستلزم إرادات سياسية للتغيير أظنها غير ممكنة الآن ولا يمكن تصور تمكنها فى الأجل القريب!
الإجابة عن السؤال الثانى أكثر صعوبة لأنها تستلزم سؤالا آخر فرعيا يقول: «من نحن؟»، أى: من هو المخاطب المطلوب منه المساعدة فى إيقاف تدهور الديموقراطيات عالميا؟ إذا كان المقصود من هذا السؤال هو النخبة الثقافية والسياسية ومن يطلق عليهم قادة الرأى والفكر من مثقفين وأكاديميين مهتمين بالشأن العام، فهناك ثلاثة واجبات رئيسية لهذه النخب: الواجب الأول يتمثل فى ضرورة بذل المزيد من الوقت والجهد لدراسة النظم السلطوية وفهم تنويعاتها المعاصرة بعيدا عن الأطر النظرية المحدودة لنظرية النظم السياسية المقارنة. المطلوب فى هذا الإطار استخدام المزيد من الاقترابات البينية التى تجمع بين أطر التحليل السياسى والنفسى والثقافى لفهم السلوك السياسى للنخب والشعوب سواء. المطلوب كذلك إعادة الاعتبار لنظريات الدولة القومية وإعادة فهم العلاقات المدنية الأمنية على المستويات القومية والإقليمية والدولية. أما الواجب الثانى فيتمثل فى ضرورة الحفاظ على علاقة متوازنة مع صناع القرار، ففى الوقت الذى لا يمكن فيه تماما استبعاد اقتراب المثقفين والأكاديميين من السلطة، فإنه وبنفس القدرة من غير المقبول أن يتحول الأكاديمى أو المثقف إلى «ترزى» يقوم بتفصيل النظريات العلمية على هوى الحاكم! أتفهم تماما الرغبة فى الترقى الوظيفى والاجتماعى، وكذلك الرغبة فى الحصول على التقدير والاعتراف بالقدرة، فضلا عن أضواء الشهرة وإغراء السلطة، فضلا عن عوامل أخرى لها علاقة بالخوف من البطش والتضييق أو قطع العيش، وكلها بكل أسف سمات للنظم السياسية السلطوية المعاصرة، ولكن أتخيل أن هناك مساحة للمناورة، مساحة للأخذ والرد، مساحة لو التزمت فيها النخب الثقافية والأكاديمية بالحدود الدنيا من المعايير الأخلاقية والعلمية، لاستطاعت أن تخلق مساحة للتنفس بدلا من هذا التورط المزرى فى تزوير الوعى الشعبى بحقائق الأمور! وأخيرا يأتى الواجب الثالث والمتمثل بضرورة التطوير المهنى والثقافى المستمر! لا يمكن للمثقف أو الأكاديمى أن يطور من الوعى العام بخصوص مواضيع السلطوية والديموقراطية وهو نفسه ذو وعى محدود ومحبوس فى عصور غابرة، ومازال يستخدم نفس المصطلحات والشعارات التى سادت العالم قبل خمسة قرون! دون هذا التطور لا يمكن أبدا مقاومة المد السلطوى أو دعم المساحات التعددية أو الديموقراطية، بحيث أصبحت معظم النخب الثقافية والأكاديمية جزءا من المعضلة السلطوية وليست حلا لها!
الإجابة عن السؤال الثالث، تتطلب قدرا من الواقعية والبعد عن نظريات التفاؤل والتشاؤم! فدور المثقف ليس التبشير أو بث روح الطمأنينة، وإلا تحولنا إلى دجالين. كل المؤشرات تؤكد أن الفترة الممتدة إلى الآن وحتى ٢٠٣٠ سوف تشهد المزيد من التراجعات الديموقراطية. فالمؤشرات الأولية تؤكد أن هناك خمسة ملامح رئيسية للعلاقات الدولية خلال المرحلة القادمة وهى على النحو التالى:
١) من المرجح أن تتزايد الحروب بالوكالة بين الدول العظمى، وخصوصا فى منطقة الشرق الأوسط ووسط وجنوب آسيا، بالإضافة إلى شروق ووسط أوروبا. هذه الحروب سوف تزيد من تجارة السلاح ومن ثم من تعضيد قوة النخب الأمنية سياسيا واقتصاديا، ومن ثم فعملية صنع القرار حتى فى الدول الديموقراطية سوف تشهد المزيد من ضغوط دوائر المال والسلاح من أجل تأجيج مثل هذه الصراعات.
٢) من الوارد أيضا أن تتزايد الحروب الأهلية فى القارة الإفريقية وفى منطقة الشرق الأوسط وفى بعض المناطق فى جنوب وجنوب شرق آسيا، هذه الصراعات ستعمق أزمة الدولة القومية فى مواجهة فاعلين إقليميين ودوليين من أنظمة توصف بالديموقراطية ستقوم بالتدخل فى سياسات هذه الدول الداخلية، ما سيعمق أزمات السيادة والحكم وسيعزز فرص أمراء الحروب للسيطرة والتحكم داخل هذه الدول، فضلا أيضا عن احتمالات تزايد المكونات الأمنية والعسكرية على حساب السياسية والمدنية فى عملية صنع القرارات.
٣) كذلك تؤكد المؤشرات أن الإرهاب الدولى بكل مكوناته وتنويعاته سوف يشهد طفرة كبيرة خلال الفترة القادمة وخصوصا على أنقاض الدول المنهارة أو الآخذة فى الانهيار، ومن المتوقع أن يواصل الإرهاب قدرته على توجيه ضربات موجعة ومؤثرة فى أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، مع تزايد احتمالية وقوع أحداث درامية على غرار ١١ سبتمبر، مما سيغلب الآليات الأمنية على السياسية والثقافية لمواجهة هذه الجماعات مع تزايد احتمالات وقوع ضحايا من الأبرياء نظرا لهذه الآليات والإجراءات.
٤) من المؤكد أيضا أن أزمات الهوية ستتزايد مع توقع المزيد من موجات من اللاجئين والنازحين إلى القارة الأوروبية خلال العقد القادم. هذه الأزمات من المرجح أن تزيد من فرص الأحزاب اليمينية والمتشددة على الحكم أو المشاركة فيه، وهو ما سيدفع حتى أحزاب يمين ويسار الوسط نحو التطرف يمينا أو يسارا مع إبقاء فرص وحظوظ القادة الشعوبيين على اعتلاء السلطة التنفيذية فى دولها وهو ما سيشكل المزيد من التحديات أمام النظم الديموقراطية.
٥) من المرجح أن يلعب كارت الطاقة دورا مهما فى تشكيل السياسات الدولية والترتيبات الإقليمية خلال هذا العقد القادم، وهو ما سيؤدى إلى المزيد من تكالب شركات الطاقة والتنقيب على صناع القرار فى الدول الأقل ديموقراطية، مما سيؤدى إلى تعزيز وجود الأخيرين فى الحكم وسيعيد ذلك الحلقات المفرغة لبقاء النظم السلطوية فى الحكم لأسباب مصلحية بحتة.
صحيح أن الصورة تبدو قاتمة، وصحيح أيضا أن هذا السيناريو (حسب قناعاتى) هو الأكثر احتمالا للوقوع، وصحيح أن منطقتنا العربية كالعادة ستكون أول من يدفع وسيدفع الثمن، ولكن تبقى المفاجآت واردة، انقلاب مفاجئ فى الصين، أو انهيار درامى فى روسيا، أو تصحيح مسار حقيقى فى الولايات المتحدة، أو ثورات وانتفاضات جديدة فى الشرق الأوسط أو إفريقيا قد تحسن من شروط التفاوض بين أنصار الديموقراطية وولاة السلطوية فى تلك المرحلة.