مقبرة الصحافة فى غزة
طلعت إسماعيل
آخر تحديث:
الإثنين 21 أبريل 2025 - 6:30 م
بتوقيت القاهرة
«الصحافة مهددة بالانقراض فى قطاع غزة»، كلمات أطلقتها آن بوكاندى مديرة تحرير منظمة «مراسلون بلا حدود» على هامش التقرير السنوى الذى نشرته المنظمة، ورصدت فيه حالات القتل التى طالت أكثر من 50 صحفيا عبر العالم، فى نهاية عام 2024، كان ثلثهم فى قطاع غزة.
كلمات بوكاندى سبقت تصريحات لمدير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى الأرض الفلسطينية المحتلة، أجيث سونغاى، لموقع أخبار الأمم المتحدة، قبل أيام قليلة، كشف فيها عن «ارتفاع هائل» فى عمليات القتل والاعتقال والرقابة ضد الصحفيين الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر 2023، مشيرا إلى أن أكثر من مائتى صحفى وعامل فى مجال الإعلام قتلوا منذ ذلك التاريخ وحتى أبريل 2025 فى قطاع غزة، بينهم 27 امرأة على الأقل.
سونغاى قال أيضا «فى كل من غزة والضفة الغربية تم اعتقال العديد من الصحفيين الفلسطينيين». و«سجلنا وتلقينا تقارير عن سوء معاملة قد تصل إلى حد التعذيب للصحفيين المعتقلين، بالإضافة إلى تهديدات مزعجة بالعنف الجنسى ضد الصحفيات، وكذلك الرجال والنساء على حد سواء».
وذكَّر المسئول الأممى بأن الصحفيين هم مدنيون محميون من الهجمات بموجب القانون الدولى الإنسانى، ما لم يشاركوا بشكل مباشر فى الأعمال العدائية، مؤكدا أن «القتل المتعمد للصحفيين جريمة حرب».
شهادة المسئول الأممى تعكس إلى أى حد ما وصلت إليه أوضاع الصحفيين الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلى، التى تمعن فى استهداف الصحفيين لإسكات الصوت، وإخفاء جرائم الحرب فى قطاع غزة الذى بات سكانه وقودا لأوسع عملية تطهير عرقى وإبادة جماعية، تحت سمع وبصر من فقدوا الضمير، ومات فيهم الحس الإنسانى، وأطلقوا يد عصابات متعطشة للدماء لارتكاب أبشع المذابح فى التاريخ المعاصر.
وحتى لا نسقط فى بئر التعميم الممجوج، وعدم الموضوعية، هناك، وإحقاقا للحق، من الأمم والشعوب والمنظمات، من يبدى تعاطفا، ورغبة صادقة فى رفع الظلم عن الفلسطينيين، وإن كان هؤلاء قلة ذات تأثير محدود، لكنهم فى الوقت ذاته يبرهنون على أن أصحاب الضمير لا يزالون قابضين على شرف الدفاع عن العدل، والإنصاف، مهما كانت التحديات والتهديدات.
وبدعوة من منظمة «مراسلون بلا حدود» وعدة نقابات إعلامية فرنسية ودولية، تجمع مساء الأربعاء الماضى، مئات الصحفيين الفرنسيين والأجانب، أمام مبنى الأوبرا فى ساحة الباستيل بباريس تضامنا مع الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين للتنديد بمقتل أكثر من 200 صحفى وإعلامى منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الأسبوع الأخير.
الوقفة الاحتجاجية الباريسية، التى نظمت شقيقة لها فى مارسيليا، ارتدى خلالها العديد من المشاركين سترات بيضاء ترمز إلى السلام والأمان، فى حين لطخ البعض الآخر وجوههم وأيديهم باللون الأحمر، فى إشارة إلى دماء شهداء غزة من الصحفيين، كما رفعت، بحسب «فرنسا 24» شعارات «مناهضة للحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، محملين إياه مسئولية مقتل الصحفيين الفلسطينيين».
المشاركون فى الاحتجاج ضد ما يتعرض له الصحفيون الفلسطينيون، المهددون بالانقراض فى غزة، عبر أحدهم عن «خجله» من تأخر الصحفيين الفرنسيين، فى التعبير عن تضامنهم مع زملائهم فى غزة . وأضاف: «لم نتحرك بسرعة. انتظرنا طويلا لإظهار دعمنا للصحفيين الفلسطينيين، والنتيجة أن 200 منهم قُتلوا فى صمت. هذا عار على بلد يدعى الديمقراطية وحرية التعبير والصحافة».
هذا الصحفى الفرنسى، ربما ليس وحده الذى يشعر بالخجل لتأخره فى نصرة زملائه الفلسطينيين الذين يواجهون الموت بشجاعة منقطعة النظير، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وقد فقد بعضهم أفرادا من عائلته، لكنه لا يزال يجرى وراء الحقيقة، ونصرة قضية شعب تكالبت عليه قوة غاشمة تجد الدعم والتأييد من قوة عظمى فقدت كل القيم الأخلاقية، واختارت السقوط فى هوة الانحياز الأعمى لكيان غاصب ومحتل.
دعونا نشارك الصحفى الفرنسى خجله، ليس على التأخر فى رفض الاغتيال والقتل العمد للصحفيين الفلسطينيين، بل، وقلة الحيلة لمنع الإبادة الإسرائيلية التى تقع على مدار الساعة فى قطاع غزة، الذى أصبح، حسب منظمة «أطباء بلا حدود»، مقبرة جماعية.