فقاعة إعلامية!

سلامة أحمد سلامة
سلامة أحمد سلامة

آخر تحديث: السبت 21 مايو 2011 - 8:23 ص بتوقيت القاهرة

أحدثت الفقاعة الإعلامية التى انفجرت على السطح بمجرد ملامستها الأرض، حول قيام الرئيس المخلوع حسنى مبارك بكتابة التماس لاستصدار عفو من المجلس العسكرى بعد أن يعلن فى بيان إلى الشعب اعتذاره عما ارتكبه من جرائم.. ردود فعل حادة من مختلف شرائح المجتمع وفئاته. سواء من شباب الثوار وائتلافاتهم أو من شخصيات سياسية عامة حزبية وغير حزبية.. دلت على أن الذين طرحوا الفكرة حتى ولو كانت مجرد بالون اختبار قد أساءوا فهم المزاج الشعبى العام. ولم يقدروا أن مطالب الشعب تتجاوز مجرد رحيل نظام إلى الإصرار على محاكمته ومحاسبته هو والعصابة التى ساندته وغنمت من ورائه. وفى هذا فقد ينسى البعض أن طلب العفو والاعتراف بالجريمة لا يغنى عن المساءلة القانونية والمثول أمام العدالة.

يذكرنى ما يجرى من تسريب فى هذه القضية بما كان يفعله المحامون فى قضية طلعت مصطفى وسوزان تميم. ولأن هيئة الدفاع واحدة فى الحالتين، فإن استخدام نفس الأساليب التى توجد جوا من التضارب وعدم وضوح الرؤية، قد توقع وسائل الإعلام فى نفس المأزق. دون أن يدرك البعض أن خلع رئيس وإسقاط نظام متهم بارتكاب مذابح ضد مئات الضحايا، فضلا عما اقترفه من فساد ونهب للمال العام، يجعل من مسألة العفو أمرا بعيد المنال. وقد اعترف محامى زوجة الرئيس السابق بإمكان التوصل إلى تسوية مماثلة مع مبارك على غرار التسوية التى تمت مع سوزان مبارك، بعد أن تنازلت عن الأموال والحسابات المصرفية التى كانت باسمها لمصلحة الدولة. وأخلى سبيلها من جهاز الكسب غير المشروع. ويبدو أن هذا ما كان يسعى إليه نفس المحامى فى قضية حسنى مبارك!

والظاهر أن الإبقاء على الرئيس السابق فى مستشفى شرم الشيخ وعدم نقله إلى سجن طرة حتى الآن، هو الذى يوحى بكثير من التكهنات والشائعات من مثل تلك الفقاعة الإعلامية.

لقد نجحت الثورة حتى الآن فى اجتياز خطوات واسعة إلى الأمام، يمكن أن تقود مصر على طريق الديمقراطية والحرية والعدالة. ويبقى من الضرورى إذا أردنا تثبيت دعائم دولة القانون والديمقراطية أن نوقف أى شكل من أشكال الالتفاف على القانون أو اللجوء إلى حيل استثنائية تضر بسمعة العدالة وتضع موازينها موضع المساءلة والمساومة. فهناك تقاليد وأسس قانونية تحدد أسلوب العفو فى الجرائم السياسية يستطيع رجال القانون أن يفيضوا فى الحديث عنها. ولكن ذلك لا ينبغى أن يكون مجالا لتسريبات وتهويمات غير منضبطة مهما تكن مساحة الحرية الإعلامية.

نحن هنا فى مصر نجادل فى أمور تبدو من البديهيات التى انتهى العالم من حسمها. ويكفى أن نتابع ما يحدث لرئيس صندوق النقد الدولى دومينيك شتراوس ـ كان الذى نشرت صوره فى الصحف وعلى شاشات التليفزيون مكبلا بالقيود، تسوقه كوكبة من الشرطة التى أنزلته من الطائرة قبل إقلاعها من نيويورك.. للتحقيق معه فى قضية اغتصاب جنسى لعاملة فى الفندق الذى كان ينزل فيه.. لم يشفع له منصبه وثراؤه ونفوذه الهائل كواحد من أكبر الاقتصاديين فى العالم وأحد المرشحين لانتخابات الرئاسة الفرنسية.. هنا يبدو سيف القانون أقوى من أى سيف آخر. فلا تحميه حكومته أو المؤسسة التى يعمل فيها. ولا يتم الإفراج عنه قبل اكتمال إجراءات التحقيق!

لا يكفى أن يتقدم الرجل باعتذار كى يصدر العفو عنه. ولا أن يقدم تسوية مالية أو غير مالية للسيدة التى انتهكت حقوقها.. ولكن القانون عندهم يذهب إلى آخر مدى فى محاسبة المجرم والجريمة.

إن تفعيل القوانين واحترام قدسيتها هو أساس الدولة المدنية. وفى اللحظة التى يتم فيها الالتفاف على القانون، أو حين تعلو كلمة الحاكم على حكم القانون، فنحن بإزاء مرحلة من البدائية تسبق قيام الدولة. وأكبر الظن أننا تجاوزنا هذه المرحلة. على الرغم من ضغوط عربية وخارجية تسعى بكل قوة إلى استصدار عفو عن الرئيس السابق.

عندهم فى بعض دول عربية يخضع القانون لرغبة الحاكم وأريحيته. ولكن القانون عندنا يجب أن يكون هو السيد والآمر. وهذا ما اشترطته الدول التى قيل إن حسابات الرئيس السابق هربت إليها.. أن تصدر أحكام قضائية باتة. وبدونها لن يمكن استعادة الأموال المهربة مهما يكن حجمها!

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved