رئيـس لمرحلـة انتقالية

إبراهيم عوض
إبراهيم عوض

آخر تحديث: الإثنين 21 مايو 2012 - 3:48 م بتوقيت القاهرة

احتدمت المناقشات والمقارنات والمواجهات فى الأسابيع الأخيرة بين المرشحين لتولى رئاسة الجمهورية، وتسيس المصريون كما لم يتسيسوا من قبل. أيا كان المرشح الذى سيخرج فائزا من الانتخابات الرئاسية، وأيا كانت عيوب الحملات الانتخابية ونواقصها، فإن الأسابيع الأخيرة ستحسب فى المستقبل فترة عظيمة الأهمية والإيجابية فى التنمية السياسية للمجتمع المصرى وفى التنشئة السياسية للمواطنين.  هذه الانتخابات الرئاسية التنافسية الأولى هى نتيجة لفعل ثورى أطاح برأس النظام وبمجموعة السياسيين والمنتفعين التى أدارت البلاد فى العقود الأخيرة لتحقيق مصالحها الخاصة. الفعل الثورى كان اعتراضا ورفضا للتوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للنظام ولممارساته، ولذلك كان طبيعيا أن تنصب الحملات الانتخابية على التوجهات البديلة للمرشحين وعلى رؤاهم بعيدة المدى لمستقبل مصر ولحياة المواطنين. كان ذلك طبيعيا حتى وإن لم يكن رئيس الجمهورية القادم وفى حقيقة الأمر مطلق اليدين فى صياغة السياسات وفى تطبيقها، فهو سيكون مقيدا بالأغلبية البرلمانية التى لن تكون بالضرورة من نفس لونه السياسى أو ستتفق على الدوام مع اختياراته السياسية.غير أن ثمة اعتبارات حالة سيواجهها الرئيس المنتخب لابد أن تكون حاضرة فى أذهان الناخبين وهم يستعدون بعشرات الملايين لاختيار رئيسهم المفضل. الحقيقة هى أن تولى الرئيس الجديد لمهام الرئاسة لن يكون نهاية للمرحلة الانتقالية بل بداية لها. عندما يتولى الرئيس الجديد مهام منصبه، سيكون قد مر سبعة عشر شهرا دون أن تنجز مهمة واحدة من مهام الانتقال الدستورى والمؤسسى. من المهم أن ندرك ما ينتظر الرئيس الجديد فى هذه المرحلة الانتقالية حتى يستعد هو لها وحتى يكون المواطنون مهيئين لها نفسيا وذهنيا وبالمقترحات البديلة.

 

 

●●●

 

فى نفس يوم توليه الرئاسة سيقبل رئيس الجمهورية استقالة الحكومة الحالية وسيكون عليه أن يكلف شخصية سياسية بتشكيل حكومة جديدة، فمن يكلف؟ إن كان الرئيس الجديد إسلاميا، هل يكلف شخصية من الأغلبية البرلمانية لحزب الحرية والعدالة فيكرس الانطباع الذى تأخذه عليه القوى السياسية الأخرى بأن الحزب يريد احتكار الحياة السياسية وجمع كل خيوط السلطتين التشريعية والتنفيذية فى يديه؟ وإن انتمى الرئيس إلى الاتجاهات المدنية، فهل يتجاهل الأغلبية البرلمانية ويعرض الحكومة الجديدة للصدام معها؟ وإن لم يتجاهل هذه الأغلبية، وكلف واحدا من أعضائها بتشكيل الحكومة فهل يشدد على ضرورة أن تكون الحكومة ائتلافية حتى يرأب الصدع بين القوى السياسية ويجمعها، أم يترك له حرية تشكيل الحكومة؟ وفى هذه الحالة، فهل يصر على حق اختيار بعض الوزراء، وما العمل إن اختلف مع الشخصية المكلفة فى أمر التشكيل؟ هذه الأسئلة أول ما سيواجه الرئيس الجديد، وهى من صلب العمل السياسى الذى لم نعتد عليه، ومن معضلات الأنظمة شبه الرئاسية التى عشنا ومازلنا فى ظل صورة مشوهة منها.

 

 

الرئيس القادم سيكون فى وضع لا يحسد عليه. إن كان من نفس اتجاه الأغلبية البرلمانية، ومن باب أولى من نفس حزبها، فالتشريع واصدار القوانين قد يكون يسيرا. ولكن المجتمع السياسى يفيض عن البرلمان، فماذا إن خرجت المظاهرات تندد بهذه القوانين، خاصة وإن كان فيها تقييد للحريات؟ فهل يصدر الرئيس أوامره، أو هل يوافق على أن تقمع الحكومة هذه المظاهرات، فيؤكد الاتهام باحتكار القرار السياسى ويزيد المجتمع احتقانا على احتقان وانقساما على انقسام؟ وإن كان الرئيس من الاتجاهات المدنية، فماذا يفعل إن اعتمد مجلس الشعب قانونا هو لا يوافق عليه؟ هل يرفض توقيعه وبالتالى إصداره؟ وماذا إذا عاد المجلس إلى اعتماد القانون بأغلبية أعلى؟ لاحظ أنه بمقتضى الإعلان الدستورى لا يحق لرئيس الجمهورية حل مجلس الشعب والاحتكام إلى المواطنين بشأن خلاف بينهما.

 

 

وينتظر ملايين المواطنين بفارغ الصبر تحركا ملموسا بصدد السياسات الاقتصادية والاجتماعية يدفع بالمجتمع نحو تحقيق العدالة الاجتماعية. جانب من هذه الملايين نظم الإضرابات وأعلن عن مطالبات وهى كلها علامات على الاحتجاج وجزء لايتجزأ من الثورة. فى مقابل ذلك، الدوائر الاقتصادية فى القطاع الخاص غير مرتاحة إلى ما تعتبره اضطرابات تعرقل العودة إلى النشاط الاقتصادى الطبيعى وإلى استئناف النمو بالمعدلات المطلوبة والضرورية، كما أن ملايين أخرى من المواطنين يتوقون إلى الاستقرار وإلى العودة إلى حياة طبيعية يمكنهم فيها توقع ما يحدث فى غدهم وبعد غدهم. كيف يشجع الرئيس الجديد حكومته وكيف يعمل معها على التقدم نحو العدالة الاجتماعية، وعلى التوفيق بين أصحاب المطالب المشروعة فى حياة كريمة، والداعين إلى حياة طبيعية مشروعة هى أيضا؟

 

 

بالإضافة إلى وظائف الحكم اليومى، سيكون على الرئيس الجديد مهمة أكثر جلالا وهى إدارة عملية صياغة دستور جديد للبلاد، دستور قابل للإدامة يحفظ حريات المواطنين ويفى بحقوقهم، يوازن بين السلطات، يستوعب القوى السياسية والاجتماعية جميعا، ويكفل اشتراكها فى الحكم أو التتالى فيه. كيف يحث الرئيس الجديد القوى السياسية على الاتفاق على معايير عملية صياغة الدستور برمتها، بدءا من تشكيل الجمعية التأسيسية، مرورا باعتمادها لأحكام مشروع الدستور، وصولا إلى النسبة المطلوبة للمشاركة فى استفتاء الشعب على هذا المشروع والأغلبية الضرورية لاعتماده فى هذا الاستفتاء؟ فإن كان الاتفاق قد وقع فى الأسابيع القادمة، وتشكلت الجمعية، وتمت دعوتها إلى الانعقاد، فما هو تصرف الرئيس الجديد إن ثارت خلافات حادة داخل الجمعية التأسيسية حالت دون التوافق على مشروع للدستور؟ أو إن توصلت لمشروع لا يتفق مع رؤيته للنظام السياسى، وهى الرؤية التى انتخبه الشعب على أساسها رئيسا للجمهورية؟ فى الحالة الأولى، الإعلان الدستورى، فى شكله الحالى على الأقل، يمنح المجلس العسكرى، باعتبار توليه صلاحيات رئيس الجمهورية، الحق فى تشكيل جمعية تأسيسية من عنده إن فشلت الجمعية التأسيسية الأصلية فى الاتفاق على نص للدستور فى غضون شهور ستة. بافتراض تمتعه بهذا الحق، هل يمارسه الرئيس الجديد وكيف يمارسه حتى تخرج الجمعية التأسيسية التى يعينها بنص تقبله القوى السياسية والاجتماعية ويوافق عليه الشعب عند استفتائه عليه؟ وفى الحالة الثانية، هل يمتنع الرئيس عن استفتاء الشعب على النص الذى لا يتفق مع رؤيته؟

 

 

●●●

 

الصلة ستكون وثيقة بين الاضطلاع بوظائف الحكم اليومى وإدارة عملية صياغة الدستور الجديد. النجاح فى المهمة الأولى سيعزز مكانة الرئيس الجديد وسلطته المعنوية، وبالتالى سيمكنه من الحصول على دعم قوى سياسية واجتماعية توفر له فرص التحرك بحرية وثقة بشان صياغة الدستور الجديد. غير أن على هذا الرئيس أن يعلم، ولعل المواطنين يدركوا، أن التوازن بين القوى السياسية ورؤاها هو شرط لا غنى عنه فى لحظة صياغة دستور واعتماده. يمكن التغاضى لفترة من الفترات عن تجميع السلطات فى أيدى قوة سياسية واحدة إن كان النظام السياسى التعددى والديمقراطى راسخا، ولكن لا يمكن التغاضى عن هذا الشرط فى لحظة النشأة والتكوين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved