سيد قطب.. الزلزال والتوابع
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 21 مايو 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
بشكل أو بآخر، يبدو سيد قطب هو بطل المشهد الغائب الحاضر، فى أحداث العنف التى تشهدها سيناء حاليا، فأفكار الرجل حول «جاهلية» المجتمع، أو «تكفيره» كما قال بعض الإسلاميين، ومنهم محسوبون على الإخوان مثل الداعية يوسف القرضاوى، لا تزال هى المرجعية الفقهية التى تستند إليها جماعات العنف الإسلامى فى مواجهاتها المسلحة ضد مؤسسات الدولة.
كان قطب قد فجر زلزالا مدويا قبل تنفيذ الحكم بإعدامه شنقا فى أغسطس 1965، فى وثيقته الشهيرة التى كتبها بعنوان «لماذا أعدمونى؟»، والتى استمرت توابعها حتى وقتنا الراهن، وهى الوثيقة التى كشف فيها عن قيادته لتنظيم سرى كان يخطط لقطع رأس جمال عبدالناصر ورءوس وزرائه ومدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربى، ثم نسف بعض المنشآت كمحطات الكهرباء والكبارى لشل حركة المواصلات بالقاهرة، من أجل ضمان عدم تتبع أمن عبدالناصر لبقية الإخوان، ولمواجهة ضربة أمنية كانت متوقعة آنذاك ضدهم ،والتى ستشمل بالقطع اعتقالهم وتعذيبهم بأبشع الوسائل وتشريد أهلهم وأبنائهم..
صحيح أن سيد قطب استند فى مواجهة دولة عبدالناصر بهذا العنف، إلى رؤيته حول «الحاكمية لله»، وأننا نعيش فى مجتمع جاهلى، لا يعرف أبناؤه شيئا عن جوهر الإسلام الحقيقى، وأنه بهذا العنف يرد الاعتداء الذى شنه نظام عبدالناصر على الإخوان، إلا أن الرجل ينطلق فى كل كتاباته ــ وعلى رأسها جاهلية المجتمع المصرى ــ وكأنه يمتلك التفسير الحصرى والوحيد للإسلام، وكل ما عدا تفسيراته هذه باطل لا يمت لديننا الحنيف بصلة، وهى نفس الفكرة التى تبنتها من بعده العديد من التيارات الإسلامية الجهادية، وحاربت الدولة وخاصمت المجتمع استنادا إليها.
لكن المثير للدهشة أن هذه التيارات المتطرفة التى تمسكت بالعنف طبقا لرؤى قطب، تجاهلت تماما النصف الآخر من أفكاره، وخاصة كتاباته عن «العدالة الاجتماعية فى الإسلام»، والتى انتقد فيها سوء توزيع الملكيات والثروات فى مصر، ومطالبا بضرورة تحرر المجتمع المسلم وجدانيا من قيم المال والجاه والحسب والنسب والشهوات، والعمل على تحقيق المساواة والتكافل الاجتماعى، وأن تكون للملكية الفردية وظيفة اجتماعية يقوم بها الفرد لصالح المجتمع، وهى أفكار تبدو غائبة تماما عن فكر جماعة الإخوان المسلمين بقيادتها الحالية، التى نبذت عنف قطب كما نبذت أفكاره الإصلاحية التى تتعارض مع تمدد الجماعة الرأسمالى وكأنها إحدى الشركات العابرة للقومية، وهو ما تجاهلته أيضا الحركات المتطرفة التى تخوض معارك تحت شعارات فضفاضة خالية من أى مضمون اجتماعى، وبعيدة تماما عن قيم العدل والمساواة وحرية الإنسان والحفاظ على كرامته، كما كان يراها سيد قطب!
ما نحتاجه الآن هو العودة للمنابع الرئيسية لمؤسسى أفكار العنف فى مصر، لتجفيفها من خلال مناقشتها بحرية وشفافية.. وإلا فإن أحداث سيناء ستتكرر مرات ومرات!