مصر والجزائر فرص ما بعد التحول العربى

علي عبدالعزيز سليمان
علي عبدالعزيز سليمان

آخر تحديث: الثلاثاء 21 مايو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

بدأت مصر بعد ثورتها الخلاقة، ومنذ أن تولى الرئيس محمد مرسى الحكم فى إعادة هيكلة علاقاتها الخارجية، وبدأت هذه الخطوات بزيارات وفود شعبية إلى السودان وإثيوبيا وأوغندا. ثم قام الرئيس بزيارات منتجة إلى الصين وباكستان والهند والى بعض دول الخليج العربى، ثم إلى جنوب أفريقيا وروسيا والبرازيل. وكذلك قام رئيس الوزراء بزيارة جنوب السودان وكينيا.. ومثلت كل هذه الزيارات جهدا مخلصا لإعادة صياغة السياسة الخارجية المصرية بما يتناسب مع طموحات الشعب وأهدافه الاستراتيجية.

 

ومن الطبيعى أن تركز هذه الزيارات ليس فقط فى الدول التى تربطها بمصر مصالح استراتيجية، ولكن أيضا بتلك التى لنا فيها رصيد كبير من المودة والثقافة أو النضال المشترك. ذلك أن العلاقات الدولية بقدر قيامها على المصالح المشتركة تعتمد أيضا على ما تكنه الشعوب من محبة وما تملكه من رصيد مشترك. ونحن نرى اليوم دول أوروبا تستميت فى إنعاش اقتصاد اليونان وقبرص، ليس فقط من قبيل الالتزام فى أطار أوروبا الموحدة، ولكن أيضا لما تمثله هاتان الدولتان من تراث حضارى هيلينى تجله الشعوب الغربية.

 

وفى محيطنا العربى، نجد أن دول الجوار مثل ليبيا والسودان (بشقيه) واليمن وسوريا (بعد الاستقرار) والعراق والجزائر تمثل فرصا مهمة لتطوير علاقات مصر الخارجية. فكل هذه الدول فى حاجة لخبرات مصر ومواردها الفنية إلى جانب ارتباطها بمصر بوشائج من الكفاح المشترك والتوافق الفكرى والاجتماعى.

 

 لقد سمحت زيارة أخيرة لدولة الجزائر الشقيقة، لإلقاء محاضرة فى المعهد الوطنى للدراسات الاستراتيجية عن تحديات الربيع العربى بالتداول مع المفكرين الجزائريين فى شأن مستقبل العلاقات العربية والمصرية الجزائرية بصفة خاصة.

 

والجزائر هى من أولى دول الجوار العربى التى تستحق الاهتمام من جانب مخططى السياسة الخارجية المصرية. وذلك ليس فقط لما تملكه الدولتان من رصيد فى الكفاح والتعاون (حيث ساعدت مصر الجزائر فى حرب الاستقلال، ووقفت الجزائر مع مصر أثناء حرب الاستنزاف وخلال حرب أكتوبر المجيدة) ولكن أيضا لتشابه القضايا الاقتصادية والاجتماعية التى تهتم بها الدولتان والفرص الكبيرة التى يمكن أن تتحقق من تعاونهما.

 

وهناك الكثير الذى يربط مصر والجزائر بالإضافة إلى الكفاح المشترك. فكلتا الدولتان عضو فاعل فى الإطار العربى والأفريقى والمتوسطى. ولكل منهما سواحل طويلة على البحر المتوسط وعمق أفريقى مشهود وعلاقات قديمة مع أوروبا، هذا إلى جانب كبر حجم السكان (عدد سكن الجزائر يصل إلى 40% من سكان مصر)، وتمتعهما بدخل متوسط وبشعب شاب خلاق. وتصل نسبة الشباب اقل من 25 سنة إلى نحو 60% من السكان. وتعتبر مشاكل البطالة وخصوصا بين الشباب وقضايا دعم الاحتياجات الأساسية للمواطنين وقضايا التعليم والصحة هموما مشتركة.

 

 وبينما تسعى مصر إلى إصلاح ما أفسدته سنوات طويلة من حكم الفرد وانتشار الفساد والمحسوبية وإهمال طموحات الشعب الأساسية استطاعت الجزائر فى السنوات الأخيرة أن تضمد جراح السنوات العشر السوداء التى أعقبت إلغاء نتائج الانتخابات النيابية التى أنذرت بتولى الإسلاميين السلطة فى الجزائر فى 1991، وتم إلغاء حالة الطوارئ فى 2011. وطبق الرئيس بوتفليقة، الذى تولى الرئاسة فى 1999، برنامجا قوميا لتضميد الجراح ولملمة شمل الوطن، وكذلك طبق سياسات اجتماعية تهتم باحتياجات الشعب الأساسية من مسكن وملبس ومأكل، وفوق هذا وذاك اهتم بخلق فرص العمل عن طريق مشروعات البنية الأساسية وزيادة الإنفاق العام. وانخفضت معدلات البطالة إلى ما يقرب من 30% من القوة العاملة فى 2000 إلى نحو 17%. وتمتعت الجزائر بفوائض مالية كبيرة نتيجة عودة الاستقرار السياسى وارتفاع أسعار النفط والغاز. مما مكنها من تسديد كامل مديونيتها الخارجية، ووصلت احتياطاتها الدولية إلى ما يربو على 200 مليار دولار.

 

●●●

 

ما هى مجالات التعاون إذن؟ لعل المجال الأول للتعاون بين البلدين هو فى مجال التنمية البشرية. ذلك أن مصر ساهمت لسنوات طويلة فى دعم التعليم فى الجزائر ليس فقط على المستوى الابتدائى واستعادة اللسان العربى بعد الاستقلال ولكن أيضا على المستوى الجامعى والفنى. ويسهل من إمكان تحقيق هذا التعاون اهتمام الحكومة الجزائرية بالتنمية البشرية، ورفع قدرات الشعب الفنية وقدرته على الكسب. ومازالت مصر هى الاحتياطى الاستراتيجى للعرب فى هذه المجالات. ويزيد من قيمة المشاركة المصرية ما يتمتع به الإنسان المصرى من تآلف معرفى وثقافى ووسطية فى الفكر والتزام فى العمل وقدرة فنية انعكست فعلا فى الأنشطة التى شارك فيها فى السابق.

 

وتشير تجربة الجزائر إلى نجاح الخبرة المصرية فى مجالات استثمار الموارد الطبيعية والصناعة والاتصالات. وهناك مجالات اضافية فى مجال الخدمات المصرفية والمالية.

 

 ويعتبر مجال السياحة من أهم القطاعات التى قد يبدأ فيها تعاون جديد. فالسياحة هى القطاع المظلوم فى الجزائر. فبرغم كونها من أكثر دول العالم تنوعا فى المكون الجغرافى والثقافى والتراثى فإن عدد السائحين السنوى لا يزيد على اثنين مليون سائح (منهم نحو مليون ونصف المليون من الجزائريين المقيمين فى الخارج والعائدين لزيارة الوطن)، ويخطط وزير السياحة لزيادتهم إلى اثنين ونصف مليون سائح فى 2015. ويمكن إنشاء شركة مصرية جزائرية تتولى إقامة وإدارة المنشآت السياحية فى البلدين مع توفير معونة فنية مصرية لإدارة الفنادق وتدريب الكوادر الجزائرية.

 

 ولقد أشرنا إلى اهتمام الحكومة بتحسين البنية الأساسية والإسكان. وفى ذلك تستعين الجزائر بخبرات من الصين وكوريا فى مجال المقاولات. ويقدر عدد الصينيين فى الجزائر بـ30 ألفا على أقل تقدير بينما قد لا يزيد المصريون على خمسة آلاف.

 

والى جانب التعاون فى المجالات التقليدية، أبدت الجزائر رغبة أثناء زيارة رئيس الوزراء المصرى السريعة فى أواخر أكتوبر الماضى فى الحصول على دعم فنى فى مجال تكنولوجيا المعلومات وفى إنشاء قرية ذكية.

 

●●●

 

وهكذا ونحن نستعد خلال أشهر قليلة للاحتفال بمناسبة عزيزة لشعب الجزائر وللشعوب العربية قاطبة، ألا وهى إعلان استقلال الجزائر فى 2 يوليو  1962، بعد حرب تحرير عظيمة، قد تكون الفرصة مناسبة لإعادة صياغة العلاقات التاريخية مع الجزائر ومد يدنا مرة أخرى إلى هذا الشعب البطل لنتضامن فى معركة البناء والتنمية بعد أن شاركنا بالدم والتضحية فى معركة التحرير والكرامة.

 

 

 

أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved