ذلك الزمن العربى الردىء
محمود عبد الفضيل
آخر تحديث:
الجمعة 22 مايو 2015 - 9:17 ص
بتوقيت القاهرة
تحدث كثير من الكتاب والمحللين الغربيين عن ما أسموه «الحرب الباردة العربية» خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى حيث حاولت أطراف عربية بالتواطؤ مع قوى خارجية على إيقاف المد التحررى فى المنطقة العربية الذى بدأ عقب تأميم قناة السويس فى مصر عام ١٩٥٦وتم تتويجه بمشروع الوحدة المصرية السورية عام ١٩٥٨. وقد حاولت تلك القوى اجهاض تجربة الوحدة المصرية السورية واحباط أى توجه نحو مشروع للوحدة بين مصر وسوريا والعراق (خط المواجهة الاستراتيجى مع إسرائيل).
ولا تعود انتكاسة ذلك المد التحررى الوحدوى إلى تآمر القوى الخارجية والأطراف العربية المتواطئة معها، بل يعود جانب كبير منها إلى أخطاء ارتكبها النظام الناصرى فى مصر والقوى الحزبية البعثية واليسارية فى كل من سوريا والعراق. وقد أوضح تلك الأخطاء القيادى البعثى العراقى الراحل هانى الفيكيكى فى كتابه الهام «أوكار الهزيمة».
•••
وكان نتيجة كل هذا مرحلة من الركود السياسى والاقتصادى والاجتماعى سادت خلال الثلاثين عاما الماضية، وكان من أهم مؤشراتها خروج مصر من معادلة القوة العربية واحتلال اسرائيل لبيروت عام ١٩٨٢، واحتلال العراق عام ٢٠٠٣. هذا فى الوقت الذى كانت فيه بلدان اخرى فى آسيا وأمريكا اللاتينية تواصل مسيرة التقدم والتحديث وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية. كذالك قطعت تلك البلدان أشواطا مهمة فى مسيرة التكامل والاندماج الاقتصادى كما شهدنا فى تجربة بلدان الآسيان وتجربة بلاد الأنديز فى أمريكا اللاتينية.
فى الوقت الذى شهدت المنطقة العربية مزيد من التفتت وقطع الأوصال، إذ يذكر وزير الخارجية السورى الأسبق فاروق الشرع فى مذكراته المنشورة بعنوان «الرواية المفقودة» (٢٠١٤) أنه نشأ فى مدينة درعا السورية حيث كان هناك منطقة تسمى «درعا المحطة» لأنه كان هناك خط سكة حديد يربط بين دمشق والمدينة المنورة (وهو ما كان يسمى خط حديد الحجاز)، ومن هذه المحطة كان هناك تفريعة اخرى تربط بين درعا وحيفا ويافا وصولا إلى القدس. فما بالكم بحال درعا اليوم التى تقطعت أوصالها، وأصبحت نقطة تنافر وصراعا دائما.
كذلك كان هناك اتحاد جمركى ونقدى بين سوريا ولبنان تم إنشاؤه عام ١٩٤٣ على أن تكون سورية ولبنان منطقة جمركية واحدة، وتم تفكيكه عام ١٩٤٩.
•••
والآن وقد تحولت «الحرب الباردة» إلى «حرب ساخنة» كما نشهد فى جميع الجبهات فى العراق وسوريا واليمن وليبيا.
فمن كان يصدق أن العراق ذلك البلد الذى قطع شوطا طويلا فى مجال التنمية والتحديث اصبح مهددا بالتقسيم وتفكيك أوصاله. ومن يصدق ان العراق الذى كان يموج بالتيارات السياسية الهادرة القومية واليسارية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى يتحول اليوم إلى ساحة صراع بين حزب الدعوة «الشيعى» فى الجنوب وتنظيم «داعش» فى العراق الأوسط!
وعلى الصعيد الآخر، تبلغ المأساة فى سوريا ذروتها حيث تصبح محافظة الرقة تحت سيطرة تنظيم داعش ومحافظة أدلب تحت سيطرة تنظيم النصرة الذى يعتبر فرعا للقاعدة فى بلاد الشام. وكان من نتيجة ذلك، أن هناك نحو ٧٦٠ ألف طفل فى سوريا حرموا من التعليم فى المدارس الحكومية بعد ان أمر تنظيم «داعش» بإغلاقها فى المناطق الخاضعة لسيطرته، وذلك حسب تقرير منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، ولنا أن نتصور تداعيات هذا الموقف الخطير على المستقبل.
•••
ويذكرنا المؤرخ الماركسى الكبير «ايريك هوبسباوم» فى كتابه المهم «المتمردون البدائيون» بأن جماعات متمردة تأخذ شكل العصابات المنظمة لتعبر عن احتجاجات ضد مظالم معينة وترفع شعارات تحظى بتأييد بعض فئات من الشعب، ظهرت فى مراحل سابقة من التاريخ الأوربى وكانت سابقة على نشوء التنظيمات الحديثة من نقابات وجمعيات وأحزاب. ولكنهم كانوا فى نهاية المطاف خارج السياسة وخارج التاريخ على حد سواء.
وهكذا فإن ظهور تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» بأطيافها المختلفة فى العديد من الأقطار العربية يمثل ارتدادا كارثيا فى الخطاب السياسى التعددى ويؤدى إلى إغلاق وتقليص المجال العام.
•••
والآن دعونا نتساءل عن من المستفيد من حل الجيش العراقى ــ احد أهم الجيوش العربية ــ وهل كانت تلك الخطوة ضرورية لتحقيق الديمقراطية ومكافحة الفساد فى العراق؟
كذالك دعونا نتساءل من المستفيد من تحطيم القدرات الدفاعية لسوريا واستنزاف رأسمالها البشرى وتحطيم البنية التحتية فى دولة مواجهة مثل سوريا؟
فبعد كل هذا الدمار وكل هذا الخراب وكل هذا العدد من القتلى والجرحى والمشردين والنازحين لم ينشأ نظام حكم جديد يقضى على الفساد والاستبداد بل يجرى الحديث هذه الأيام فى بعض الدوائر عما يسمى حل «الدولة الفيدرالية» فى سوريا وطرح فكرة نظام للمحاصصة الطائفية فى سوريا على الطريقة اللبنانية! وذلك للخروج من الوضع الراهن المتردى فى سوريا.
خلاصة القول هنا ان حصاد الحروب الأهلية والفتن الطائفية فى المنطقة العربية كان هو المشروعات التقسيمية ومزيد من التجزئة والظلامية، فالعبرة دائما بالخواتيم.