صمود روسيا أمام الغرب
معتمر أمين
آخر تحديث:
السبت 21 مايو 2022 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
تطور الموقف الاستراتيجى الأوروبى بعد إعلان فنلندا والسويد نيتهما الانضمام إلى الناتو. وردت روسيا على الفور بأنها ليس لديها مشكلات مع هذه الدول، وترى التوسع لا يشكل تهديدا مباشرا بشرط ألا تتوسع البنية التحتية العسكرية فى هذه المنطقة، وإلا سيؤدى ذلك بالتأكيد إلى رد روسى. وبهذا تتخلى فنلندا والسويد عن سبعة عقود من سياسة الحياد. ولم تمض ساعات على مطلب الدولتين حتى لوحت تركيا بأنها ستستخدم الفيتو ضد انضمامهما للناتو، وذلك بسبب إيوائهما لعناصر تعتبرها تركيا عناصر منتمية لحزب العمال الكردستانى المصنفة كمنظمة إرهابية لدى تركيا. ويرجع بعض المراقبين الرفض التركى إلى كونه محاولة للمقايضة السياسية. تحاول عن طريقها تركيا رفع بعض العقوبات التى نزلت بها بعد شرائها منظومة الدفاع الجوى الروسية إس ــ400، مقابل موافقتها على انضمام الدولتين. وهذه التفاعلات تمنح روسيا مهلة إضافية لعمليتها العسكرية فى أوكرانيا بدون الخضوع لاستفزاز الناتو. كما تمنح روسيا وقتا إضافيا لبناء قدراتها العسكرية الغربية. فلقد أعلن وزير الدفاع الروسى يوم 20 مايو عن عزم بلاده إنشاء 12 فرقة عسكرية على الحدود الغربية لهذا الغرض.
• • •
على الجانب الاقتصادى، المفاجأة فيما تفعله روسيا إنها إلى الآن تغلبت على كل ما صنعه الغرب لحصارها اقتصاديا، ثم تحسن سعر صرف الروبل وبلغ مستوى 62 روبل للدولار الواحد، وهو أفضل سعر للروبل منذ خمس سنوات. وبالرغم من ارتفاع مؤشر التضخم السنوى من 16,7% فى مارس إلى 17,6% فى إبريل، لكن تحسن المؤشر الشهرى وانخفضت نسبة النمو فى الأسعار للمستهلك من 7,6% فى مارس إلى 1,6% فى إبريل طبقا لموقع سى إن بى سى. ولذلك من المتوقع أن يخفض البنك المركزى الروسى سعر الفائدة بواقع 2%، بعد أن اضطر لرفعها من 9% فى فبراير إلى 20% فى مارس لكبح جماح التضخم واستيعاب الضربة الاقتصادية الغربية. وفى نفس السياق، قفز التضخم فى الولايات المتحدة إلى مستوى 8,2% وهو مستوى تاريخى لم يصل إليه مؤشر التضخم منذ عام 1981. ودفع ذلك البنك الفيدرالى لرفع سعر الفائدة بواقع 0,5%. ومن المتوقع استمرار رفع الفائدة مجددا حتى نهاية العام. كما قفز التضخم فى الاتحاد الأوروبى لمستوى تاريخى بواقع 7,8% فى مارس، وانخفض قليلا إلى 7,4% فى إبريل. وبذلك أصبح الاستهداف معاكسا، ولم تنج منه أى دولة غربية.
ميدانيا، بسطت روسيا سيطرتها على مدينة ماريوبول بعد استسلام 1908 مقاتلين من المحاصرين فى مصنع آزوفستال. ويبدو أن بقية المقاتلين على وشك الاستسلام، لكى تغلق روسيا صفحة ماريوبول وتحكم سيطرتها نهائيا على بحر أزوف. ومن ثم تنتقل المعركة إلى الخطوة التالية وهى الجزر الأوكرانية فى البحر الأسود لاسيما جزيرة الثعبان، يليها أو معها السيطرة على ميناء أوديسا. ومن ثم تتحول أوكرانيا إلى دولة حبيسة بلا شواطئ، مما يحرم كييف من صادراتها عن طريق البحر بالكامل. وهذه الخطوات التى يبدو أنها مدروسة بعناية تجعل العديد من المراقبين ينظرون بعين الريبة للمغزى وراء البيانات التى تنقلها سبل الإعلام العالمية على لسان المخابرات البريطانية والتى تشير لتعطل خطة روسيا وفقدانها ثلث قواتها الهجومية فى أوكرانيا، وتباطؤ عملياتها فى شرق أوكرانيا. ولكن الشاهد أن قوات روسيا لا تتقدم فقط من الجنوب باتجاه أوديسا ولكن تدور معارك طاحنة بين الجانبين فى شمال شرق أوكرانيا فى مدينة خاركيف، حيث يتبادل الطرفان الروسى والأوكرانى الادعاء بتحقيق مكاسب على الأرض. وكان آخر الأخبار المعلنة عن خاركيف يوم 16 مايو إعلان الجيش الروسى مقتل 360 عنصرا من القوات الأوكرانية، وتدمير مركز للقيادة. وأهمية هذه الأخبار أنها تشير لحركة التطويق التى تنفذها القوات الروسية. فعلى ما يبدو تطور روسيا هجومها الميدانى فى شمال شرق أوكرانيا ليقطع من خاركيف باتجاه الجنوب. مما يعنى قطع شرق أوكرانيا بالكامل عن غربها مع تطويق القوات الأوكرانية وحصارها.
على الجانب الدبلوماسى، تتبادل روسيا والغرب طرد العاملين فى البعثات الدبلوماسية، مما يعنى تخفيض مستوى التفاعل وشرح المواقف بين الجانبين. ولم تسلم من هذه الإجراءات دول مثل فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والبرتغال.. إلخ. وحتى على مستوى المفاوضات المباشرة أو عن طريق الوسطاء، أعلنت روسيا أن المفاوضات توقفت بالكامل وحملت نظام كييف المسئولية، وأبلغت بعض قادة الغرب، لاسيما المستشار الألمانى، والرئيس الفرنسى، بأن نظام كييف غير جاد فى عملية التفاوض. وذلك بسبب تنفيذه لما تطلبه الولايات المتحدة. كما أعلنت روسيا مرارا بأن إمداد الغرب لأوكرانيا بالسلاح يزيد من تأزم الموقف، ويطيل أمد الحرب. ولكن لا يبدو أن إطالة المدة تزعج روسيا، ففيما يبدو تراهن روسيا على عنصر الوقت من أجل النفاذ بين خطوط الحلفاء الغربيين. يتضح ذلك من عدم قدرة الاتحاد الأوروبى على فرض الحزمة السادسة من العقوبات على روسيا. وذلك بسبب موقف المجر. وحتى لو افترضنا غياب التنسيق بين المجر وروسيا، فإن تباين مصالح الدول الأوروبية المعتمدة على الطاقة الروسية بدأ يحدث مفعوله. ففى يوم 17 مايو أعلنت شركة إينى عزمها فتح حسابات مصرفية بكل من اليورو والروبل الروسى فى إطار استجابتها لطلب السلطات الروسية سداد قيمة الغاز الطبيعى الروسى بالروبل. ولو أضفنا إلى ذلك تلويح تركيا برفض ضم فنلندا والسويد للناتو فإن الصورة تزداد وضوحا.
• • •
كل ما تقدم يوضح أن روسيا إلى الآن استطاعت التغلب فى المواجهة المباشرة مع أوكرانيا على جهود كافة الدول الغربية مجتمعة، والتى يعاونها اليابان، وأستراليا ونيوزيلندا. هذا ولم تستدع روسيا جنود الاحتياط، ولا طلبت مساعدات من دول صديقة مثل الصين. هذا وتعرقل روسيا التقدم فى ملف إيران النووى حتى يذعن الغرب لشروط روسيا. والجديد الآن هو تطور لافت للغاية، حيث جرى حادث غير مسبوق فى سوريا، فقد استهدفت القوات الروسية بصواريخ «إس 300» المتطورة المضاد للطائرات مقاتلة إسرائيلية أثناء عودتها من هجوم على مواقع إيرانية شمال غربى سوريا فى الأسبوع الثانى من شهر مايو. ويأتى هذا التطور بعد تدهور العلاقات الروسية الإسرائيلية إثر تحركات تل أبيب المناوئة لروسيا فى أوكرانيا. وأيضا بعد المعركة الكلامية بين وزير الخارجية الروسى ونظيره الإسرائيلى حول تصريحات الوزير لافروف عن دماء هتلر اليهودية. هذا ولو تأكد أن نهج روسيا تغير فى سوريا وأغلق المجال الجوى السورى أمام الهجمات الإسرائيلية، فإن المشهد الإقليمى سيتغير فى الشرق الأوسط. مما يدعو للتفكير بأن استمرار صمود روسيا أمام الغرب يهز أركان ودعائم الغرب نفسه، وقد يغير من ترتيب الشرق الأوسط.