«ڤيروسات» تهدد مستقبلنا
عمرو خفاجى
آخر تحديث:
الجمعة 21 يونيو 2013 - 9:05 ص
بتوقيت القاهرة
فى مونبيلييه (فرنسا)، وفى مؤتمر الإعلام الجديد، كانت الحوارات الجانبية من الأهمية بمكان، أنها تفوقت أحيانا على الجلسات الرسمية للمؤتمر، وفى أحد هذه الحوارات كان الموضوع عن مواقع التواصل الاجتماعى (فيس بوك وتويتر) وشارك فيه شباب من إندونيسيا وكمبوديا وهاييتى وليبيا وأستاذة صحافة فرنسية، واستغرق ما يقرب من الساعة ونصف الساعة (زمن تناول الغذاء).
تحدث الشباب عن أهمية مواقع التواصل الاجتماعى خاصة الفيس بوك، وأن هذه المواقع منحتهم فرصة ذهبية للحوار والتواصل مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، وأيا كانت القضية، وأن هذا الفضاء الإلكترونى منحهم فرصة التقرب إلى الآخر، وأنه حل الكثير من المشاكل فيما بين الشباب المختلفين سياسيا، وأن هذه الحوارات ساهمت بشكل فعال فى التقارب بين أفكار، كان من الصعب ــ نظريا، أن تتوافق، أو على الأقل يحدث تواصل بين أصحابها.
فى المقابل تحدث الشاب الليبى بسخرية عن أهمية الفيس بوك فى بلاده، لدرجة أن الميلشيات بدأت فى استخدامه للتعبير عن نفسها إعلاميا، بينما لم يجد أن هذه الوسيلة ناجعة فى الحوار بين الأفكار أو الآراء المختلفة، وقد أبدى دهشته الشديدة (بسخرية أيضا) من نجاح مواقع التواصل الاجتماعى فى التواصل بين الناس بالفعل، وكأنه اكتشف للمرة الأولى أن هذه هى وظيفتها الأساسية.
وحينما سألتنى أستاذة الصحافة الفرنسية عن هذه المواقع فى مصر حاليا، تهربت من الإجابة وانسحبت من الحوار لأننى اكتشفت الآتى: أننا فى مصر حولنا هذه المواقع من مواقع داعمة للثورة ومساهمة فى نجاحها، إلى مواقع تكد وتكدح فى كبح جماح هذه الثورة، وأن هذه المواقع غزتها اللجان الإلكترونية لقوى سياسية حاكمة فسممت هذا الفضاء الإلكترونى المسالم فى الأصل، كما أنها تحولت لماكينة مذهلة تبث شائعات مسمومة عن كل القوى السياسية اللاعبة فى الساحة، وفى أحيان كثيرة تستخدم هذه المواقع فى تسخين الأجواء وإشعال المعارك سواء بقصد أو من دون قصد.
أما أكثر ما دفعنى للهرب من سؤال الأستاذة الفرنسية وأشعرنى بالحرج والارتباك، أننا نمارس القطيعة عبر هذه المواقع، ولا نستخدمها أبدا فى التواصل والحوار، حتى أن معظم الصفحات على الفيس بوك تضم المتفقين فقط فى الرأى، وإذا ما تجاسر أحد مخالف لرأى أصحاب الصفحة وتسلل وحاول بناء حوار معهم يتم طرده على الفور باستخدام خاصية «block» حتى تصبح الصفحة نظيفة تماما وخالية من أية شوائب فكرية، على اعتبار أن الحوار عيب أو جريمة.
بل تحدث قطيعة بين الأصدقاء حينما يختلفون فى الرأى على موقف ما أو حدث معين، فصارت مواقع وصفحات الفيس بوك مجموعات أحادية تكلم نفسها وتشحذ هممها، ولا تفكر مطلقا فى الحوار أو التقارب مع الآخر، أى عكس وظيفة وهدف وسيلة التواصل الاجتماعى.
ومع ذلك مازلت محبا ومؤمنا بدور هذه المواقع فى التواصل وإقامة الحوار والتمهيد للقضاء على الخلافات، ففى النهاية لن يصح إلا الصحيح ولو بعد زمن نعادى فيه أنفسنا، فالمشكلة ليست فى الفضاء الإلكترونى، بل فى عقول قادة الجماعات والقوى السياسية التى لا تبقى ولا تذر من خير بين أبناء الوطن الواحد، فالمستقبل لا يعنيهم كثيرا، رغم أن ثورتنا كانت من أجل المستقبل وان التواصل الاجتماعى هو أيضا من شواهد المستقبل المبهج، فمتى ترحل هذه «الڤيروسات» من فضاء أحلامنا؟