مجدى يعقوب الجراح الذى عاد ليغرد مع السرب
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 21 يونيو 2024 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
انتهيت هذا الأسبوع من قراءة كتاب أظننى سأعاود قراءته لمرات عديدة.. مذكرات مجدى يعقوب جراح خارج السرب: تأليف سيمون بيرس وفيونا جورمان وتقديم مارى آرتشر وترجمة أحمد شافعى، وصدر عن الدار المصرية اللبنانية.
استوقفنى العنوان.. «جراح خارج السرب».. الواقع أن من اختار العنوان فى رأيى جانبه الصواب فمن عرف مجدى يعقوب عن قرب يعلم جيدًا أنه قد عمل طوال حياته قائدًا للسرب.. فأهم صفاته أنه دائمًا كان المعلم والراعى لمن يعملون معه، وأن العمل الجماعى سواء فى جراحات القلب أو ما يتعلق بها من أعمال البحث العلمى أو الدراسات الطبية كان دائمًا أسلوبًا ينتهجه ولا يحيد عنه.
أما الكتاب نفسه والذى استغرقنى تمامًا حتى انتهيت منه فهو بلا شك وثيقة أتمنى لو اطلع عليها العالم، وأظن هذا يحدث الآن، أما الأهم فهو أن يطلع عليها شباب المصريين فهى دون شك درس عظيم الأثر بسيرة إنسان مصرى عظيم استكمل سيرة أجداده فحفر تاريخًا للعلم والإنسانية بنفسه على الحجر لا يمكن أن يمحيها الزمن أو يخطئها إنسان. رغم ما حققه مجدى يعقوب من نجاح فى بريطانيا حتى إن ملكة إنجلترا كرمته بأعلى وسام ولقب سير إلا أنه توج رحلته بالعودة لبلاده وإنشاء مركز أسوان لطب وجراحات القلب، والذى يستقبل المواطنين المصريين للعلاج مجانًا على أعلى مستوى من الخدمة الطبية سواء فى التشخيص أو العلاج.
انتهيت من قراءة الكتاب هذا الأسبوع، بينما كان هناك اثنان من أمهر جراحى القلب المؤهلين على أعلى مستوى من التدريب والكفاءة، يستعدان للسفر أو بالفعل للتغريد خارج السرب بعيدًا عن معهد القلب القومى، حيث تلقيا أكمل برامج التدريب، وحققا أعلى نسب النجاح: إلى السعودية وإندونيسيا! الأول حصل على عقد للعمل فى أحد المراكز المتخصصة فى السعودية، حيث سبقه جراح آخر نادر الكفاءة، أما المسافر لإندونيسيا فمرافق لزوجته التى أهلتهما كفاءتهما للتدريس فى إحدى المدارس العالمية! جراح قلب متميز مكتمل التدريب والكفاءة يسافر إلى بلد آسيوى لا يسمح للأجانب مهما علا قدرهم بالعمل إلا تحت شرط إجادة لغتهم التى لا يتحدث بها إلا مواطنوهم، وتغيب عن التصنيف العالمى للغات الأكثر انتشارًا فى العالم! دون شك لنا أن نفخر بأسماء عديدة من جراحى القلب الذين يعملون حاليًا بنجاح مشهود فى عواصم خليجية وأوروبية وأمريكية تلقوا تدريبهم، وحققوا خطوات ثابتة فى مصر قبل هجرتهم لبلاد العالم.
لكن ألا يخطر ببال الحكومة وأجهزتها فى بلادنا أن هذا تجريف حقيقى للجهد الذى يبذل لتعليم وتدريب وتأهيل الجراحين والأطباء من أبنائنا؟ الاستثمار فى التعليم يجب أن تعود فوائده أولًا على مواطنينا والفوائد يجب أن تجنيها مصر قبل دول العالم. بالطبع ليست تلك دعوة لوقف تغريد تلك الطيور المهاجرة خارج السرب، لكنها دعوة صادقة لدعوتهم للبقاء فى بلادهم بالنظر جديًا فى تحسين ظروف معيشتهم وتوفير فرص متكافئة لهم للدراسة والتعلم والتدريب. قد يكون من المفيد حقًا أن نترك الحرية لمن يحلق مغردًا خارج السرب، لكن الأكثر فائدة أن نرعى السرب ليغرد فى سماء الوطن.