أوباما أفضل مروج للديمقراطية
بسمة قضماني
آخر تحديث:
الثلاثاء 21 يوليه 2009 - 8:21 م
بتوقيت القاهرة
وضع الرئيس الأمريكى أجندة واضحة لإدارته فيما يتعلق بالشرق الأوسط. فهو يعطى أولوية للقضايا الأمنية، وتسوية الصراعات فى المنطقة، وبالطبع يحتل الصراع العربى الإسرائيلى مساحة كبيرة من تفكير إدارته. وكان واضحا منذ البداية أن أوباما سيظل متحفظا فى انتقاده للطبيعة التسلطية لأنظمة المنطقة ولسوء أدائها فى المجال الديمقراطى.
وتعتبر إيران المصدر الرئيسى الآخر من مصادر قلق أوباما المعلنة. وتشير تصريحاته بشأن العلاقات مع إيران، سواء خلال حملته الانتخابية أو منذ توليه الحكم، إلى مسألة الانفتاح بوضوح لا يدع مجالا للشك، والاعتراف بضرورة احترامها باعتبارها بلاد فارس التاريخية التى تعبر صورتها عن نفسها وطموحها عن فخر قومى مشروع.
وما إن تولى أوباما السلطة، حتى تلقى التماسات من جماعات حسنة النية، تناشده عدم التخلى عن القضية النبيلة المتمثلة فى تشجيع الديمقراطية فى الشرق الأوسط. وكان سلفه جورج بوش أخرق ومتغطرسا فى محاولته فرض الديمقراطية بالقوة على مجتمعات المنطقة، رغم سلامة هدفه طبقا لحجته. وعلى أوباما أن يستغل مصداقيته العالية للضغط من أجل الديمقراطية، ولديه كل الفرص للنجاح حيث فشل بوش.
ومن المفترض أن إستراتيجية أوباما وقيمه باتت فى خطر، منذ أن صارت شوارع طهران تموج بالاحتجاجات طوال الأسابيع الخمسة الأخيرة، فهل كان عليه أن يعرب عن دعمه لهذه الحركة الشعبية الواسعة التى أبدت بوضوح الرغبة فى إيران ديمقراطية؟ أم يواصل التركيز على أولوية التعامل مع حكومة يتزعمها أحمدى نجاد، وتقمع مواطنيها، كى يبحث القضايا الأمنية العاجلة ويتجاهل الشارع الإيرانى؟ وهو بلجوئه إلى الخيار الثانى يعتبر أنه «خذل» أولئك الذين خاطروا بالدفاع عن الديمقراطية فى الجمهورية الإسلامية، وسمح للقيادة بالقضاء عليهم. فهل فشل فى الاختبار؟
فى الواقع، إن تأثير أوباما أكثر من سياسة أوباما هو الذى يحرك بعمق الوضع الداخلى فى إيران ويؤثر عليه، بطرق أكثر تعقيدا من مجرد خطبة تدين انتهاك حقوق الإنسان، أو حتى أسلوب العقوبات.
وقد عمل خطاب أوباما الجديد نحو العالم الإسلامى، وإيران بوجه خاص، كأداة تحريض غذت التوافق الواضح فى الآراء داخل المجتمع الإيرانى.
فهو أولا: خلق رهانا جديدا. إذ صار فجأة هناك عرض على الطاولة طُرح فى النقاش الداخلى. ولا يحب القادة المتشددون تقديم العروض المعقولة. فهم يعتبرون أنها تهدد موقفهم وتقوِّضه.
ولا يعرفون كيف يتعاملون مع هذه العروض. ومنذ أن صاغت الولايات المتحدة شروط التفاوض، التى تقر بالتطلعات الإيرانية الرئيسية، وبوجه خاص طموحها النووى، ما زالت المجموعة الدولية عموما تنتظر الرد على عرضها إعادة بدء المفاوضات. وكانت سياسات العصا قد أسهمت فى تدعيم إجماع مصطنع ضد العالم الخارجى. أما سياسات الجزرة فهى تهديد رئيسى للزعماء الدينيين المتشددين.
وثانيا: فى اللحظة التى توقف فيها العداء من الخارج، تغيرت الديناميكات الداخلية. وفى إيران تكتلت القوى القومية مع الإسلاميين، بعد أن كانت ساكنة عندما كانت الرسائل القادمة من الخارج عدائية ومنذرة. والآن أطلِقت من عقالها. ومن الصحيح أن أى مجتمع شهد ثورة يظل فى حالة حراك ومستعدا للاحتجاج. فطوال الثلاثين عاما الماضية، وحتى عندما كانت الساحة السياسية مقيدة للغاية، كان أى زائر يندهش من حيوية المجتمع المدنى، فالطلاب والمثقفون والحركات النسائية ومنظمات التنمية والمجتمع المبنى على الشبكات والأقليات العرقية والفنانون لم يتوقفوا عن المشاركة فى القضايا العامة. ولم يكن لهذه الحركات أى علاقة بالسياسة الغربية الرامية لتشجيع منظمات المجتمع المدنى أو الديمقراطية. وهى لا تتلقى أى مساعدة مالية أجنبية. وقد أتاحت الرسالة الجديدة من الولايات المتحدة لهذه الجماعات الانتقال من المجال الاجتماعى إلى الميدان السياسى.
وقد ظن المرشد الأعلى خامنئى أن هؤلاء سوف يدلون بأصواتهم ثم يذهبون إلى بيوتهم فى هدوء ليتقبلوا أى نتيجة تُعلن. لكنهم بدلا من ذلك عادوا ليملأوا الشوارع.
ولم يكن المحتجون إسلاميين كما فى البلدان المجاورة، حيث تحشد الحركات الإسلامية الاستياء الشعبى ضد حكومات فاسدة. ففى إيران، كان الديمقراطيون هم من يحتجون لأن أصواتهم لم تحترم. وربما تكون المطالب السياسية إحدى سمات الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة المثقفة، وليس الجماعات المتواضعة اجتماعيا ذات الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية التى ترى فى أحمدى نجاد أفضل زعيم لها.
غير أن المعركة فى الشارع تشبه المعركة فى المستويات العليا من السلطة، بين الحزبيين ذوى الخيارات الأيديولوجية الدائمة القائمة على المبادئ الدينية، ومؤيدى الانفتاح الثقافى بزعامة المجموعة المحيطة بمير حسين موسوى. وهؤلاء هم الذين لم يعودوا يشعرون بعد مقترحات أوباما بأنهم مقيدون.
إن أوباما فى الواقع هو أفضل مروِّج للديمقراطية التى يمكن أن تتمناها مجتمعات الشرق الأوسط. وليست هناك سياسة أفضل لتغيير النظام من عدم تدخل القوى الخارجية. ذلك أن تغيير التوجهات يتطلب وجود قائد لديه مجموعة مختلفة من القيم.
مديرة مبادرة الإصلاح العربى