روسيا تحاول استقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعها النفطى
وليد خدوري
آخر تحديث:
الأحد 21 يوليه 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
بادرت السلطات البترولية الروسية فى الإفصاح عن احتياطيها النفطى، لأول مرة مند عام 2002، وذلك فى محاولة منها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد. فقد أعلن وزير الموارد الطبيعية الروسى سيرجى دونسكوى فى منتصف الشهر الماضى أن الاحتياطى المؤكد وغير المؤكد من النفط الخام يبلغ نحو 129.9 مليار برميل. كما أشار الوزير إلى الاحتياطى الغازى لبلاده وقدره بنحو 48.8 تريليون متر مكعب. وذكر الوزير فى نهاية تصريحه: «ان هذه الاحتياطات هى من الأكبر فى العالم. ولقد تم نشر هذه المعلومات الآن، التى أرجو أن تشكل حافزا للاستثمارات فى القطاع البترولى فى مختلف أرجاء البلاد، وتضع نهاية للتكهنات عن حجم الاحتياطى البترولى الروسى».
هذا، ووقع رئيس الوزراء ديمترى ميدفيديف قرارا فى اوائل شهر يوليو يسمح فيه بالإفصاح عن الاحتياطات البترولية الروسية. ولم تعلن روسيا عن احتياطاتها منذ 2002 واكتفت خلال الفترة الماضية بالاعلان فقط عن الزيادة السنوية فى الاحتياطى دون ذكر رقم مجمل الاحتياطى. ومن الجدير بالذكر، أن الرئيس فلاديمير بوتين كان قد أعلن فى بداية هذا العام عن تأييده الإعلان رسميا عن أرقام الاحتياطى.
تشير المعلومات الرسمية الروسية إلى أن الشركات الروسية والدولية تستثمر سنويا نحو 6 مليار دولار فى مجال الاستكشاف البترولى، مما أدى إلى زيادة الاحتياطى البترولى وتعويض عما يتم إنتاجه سنويا.
●●●
يعتبر الإنتاج النفطى الروسى من الأعلى فى العالم، وبلغ معدله فى مايو الماضى نحو 10.48 مليون برميل يوميا. ورغم أن معدل الإنتاج هذا يفوق الإنتاج السعودى الذى تراوح حول 9.50 مليون برميل يوميا، إلا أن روسيا تستهلك نسبة أعلى من نفوطها مما تستهلكه السعودية، من ثم تصبح الصادرات النفطية السعودية الأعلى عالميا. أما بالنسبة للغاز الطبيعى، تبلغ الاحتياطات الغازية الروسية الأعلى فى العالم، وتليها ايران ثم قطر. كما أن الانتاج الغازى الروسى هو الأعلى عالميا ويتراوح مستوى الانتاج حول معدل 1.18 مليار متر مكعب سنويا.
وتتميز روسيا بموقعها الجغرافى الاستراتيجى، إذ إنها تستطيع تصدير معظم نفوطها والغاز عبر شبكة طويلة من الأنابيب إلى سوقين مهمين، هما أوروبا واسيا. وبالفعل نجد أن كلا من النفط والغاز الروسى المصدر عبر الأنابيب يشكل نسبة كبيرة من الإمدادات البترولية المستوردة من قبل اوروبا. كما وقعت روسيا الاتفاقات مؤخرا مع الصين لتصدير كميات ضخمة من الغاز عبر الانابيب إلى الاراضى الصينية.
●●●
لقد حاولت روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتى تصحيح مستوى الأسعار الداخلية لمنتجاتها البترولية، فرفعت تدريجيا من اسعار الغاز، الذى يستعمل بشكل واسع فى السوق الداخلى. لكن أدت هذه الزيادة فى رفع اسعار الغاز محليا إلى مشكلة كبرى مع الدول الأوروبية، بالذات عندما حاولت شركة جازبروم زيادة سعر الغاز الذى تستهلكه أوكرانيا، والذى تستقطعه من خلال عبور الغاز الروسى أراضيها إلى الدول الأوروبية. حجة روسيا هى أن اوكرانيا قد حصلت على اسعار مخفضة للغاز خلال فترة الاتحاد السوفياتى ومحاولته عندئذ لمساعدة الدول الاشتراكية الحليفة. لكن، بما أن هذه الفترة قد انتهت، وبما أن المستهلك الروسى قد اخذ يدفع سعرا أعلى للغاز، فمن الأولى أن تدفع اوكرانيا اسعارا تجارية بدلا من تلك المدعومة. لكن مما لا شك فيه أن الانقطاعات القصيرة المدى للغاز إلى اوروبا قد اثر سلبا على العلاقات الأوروبية ــ الروسية فى مجال الطاقة بسبب اضطرار روسيا إلى إيقاف الغاز إلى اوروبا خلال العقد الماضى لفترة قصيرة جدا فى فصل الشتاء لإنهاء مشكلتها مع اوكرانيا، مما اثار استياء دول الاتحاد الأوروبى ودفعها إلى تبنى سياسات تساعدها فى تنويع مصادر الغاز الدى تستورده. وكانت هذه هى الحادثة الفريدة من نوعها فى انقطاع الغاز الروسى عن اوروبا، إذ استمر تدفق امدادات الغاز دون انقطاع مند منتصف الثمانينيات، رغم كل الخلافات السياسية والاستراتيجية ما بين موسكو ودول الاتحاد الاوروبى.
●●●
لكن مما يمكن أن يؤثر أكثر على هذه العلاقات مستقبلا، هو إنتاج وتصدير الغاز الأمريكى إلى اوروبا فى المستقبل القريب. من الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة هى أكبر دولة مستهلكة ومستوردة للغاز الطبيعى فى العالم. لكن زيادة إنتاج الغاز الصخرى الأمريكى خلال العامين الماضيين، والذى يشكل حاليا نحو ثلث انتاج الولايات المتحدة من الغاز، سيفتح المجال لتصدير الغاز المسال لاسواق العالم، بالذات اوروبا وجنوب شرق اسيا. وتكمن اهمية الغاز الصخرى الأمريكى ليس فقط فى مزاحمته لإمدادات الدول الأخرى، بل فى انخفاض معادلته السعرية، إذ يمكن بيعه بسعر نحو 4 دولارات لمليون وحدة حرارية بريطانية مقارنة بنحو 8- 14دولار لمليون وحدة حرارية بريطانية للغاز المستورد من روسيا أو قطر أو الجزائر أو نيجيريا- وهى الدول التى تستورد اوروبا منها معظم إمداداتها من الغاز. يكمن الخلاف بين تسعير الغاز الأمريكى وبقية امدادات الغاز العالمية، فى مقارنة أسعار الغاز الأمريكى بأسعار الغازات المشابهة، بينما تعتمد معادلات تسعير الغاز إلى اوروبا بمقارنتها بأسعار مجموعة من المنتجات البترولية، أما فى اليابان، فتبنى المعادلة على مقارنة سعر الغاز المستورد بسلة من أسعار النفط الخام المستورد من قبل اليابان. وهناك الآن ضغوط ومفاوضات حول تعديل وتغيير المعادلات السعرية المستعملة لصالح الدول المستهلكة. إلا أن الرئيس الروسى فلاديمير رفض الضغوط الخارجية لإنهاء ربط أسعار الغاز بأسعار النفط وتغيير العقود التى تلزم المشترى بدفع غرامة فى حال انتهاكه للعقد، وقال فى خطابه أمام منتدى الدول المصدرة للغاز فى موسكو مؤخرا، إن تغيير طبيعة العقود ستؤدى إلى ارتفاع التكلفة للمنتجين. ويذكر أن القيمة السوقية للشركة الروسية العملاقة غازبروم قد هبطت إلى 78 مليار دولار مقارنة بذروة قيمتها 360 مليار دولار فى 2008 مع تغيير معدلات الأسعار.
مستشار فى نشرة ميس «MEES» النفطية