هل حضر العيد فعلا؟
تمارا الرفاعي
آخر تحديث:
الأربعاء 21 يوليه 2021 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
مع العيد تعود القصص، قصص العائلة منذ عقود على هامش التحضيرات للاحتفال باليوم، قصص البلاد فى الطفولة على خلفية ما أراه فى الشوارع الآن. ثم تبدأ تكبيرات العيد فيختلط القديم بالجديد وتمتزج الذكريات بالمشاهد من حولى وأعود طفلة فى السوق وسط الزحام أمشى مع أمى. للتكبيرات سحر حين أسمعها تتكرر أشعر بنوع من التخدير كأننى أدخل فى حلقة ذكر، طفلة تبحث عن أمها وسط عربات الحلويات فى السوق، حركة فى البيت استعدادا للخروج لزيارة الجدة، تكبيرات تدخلنى اليوم، وأنا امرأة ناضجة مسئولة عن عائلة، فى حالة من التجلى، شىء يسحبنى من مكانى إلى مكان آخر. الغريب هو أن التكبيرات تفاجئنى فى كل مرة بقدرتها على أن تنتزعنى من حيث أنا لترمينى حيث لم أعد. حتى أنه لا يهم إن كنت أرتمى فى دمشق أم القاهرة أم غيرها، المهم أن تذكرنى التكبيرات بأننى فى غير مكانى، أننى خارج مكانى الطبيعى، ومكانى هو هناك.
•••
التكبيرات مبهجة لثوان أطير خلالها إلى أزمنة مختلفة، فيها من الحنين ما يجعلنى أعتقد للحظات أننى فعلا فى زمن آخر. تسألنى ابنتى الصغيرة عن سبب تكرار التكبيرات حين ألفت انتباهها إليها فى ليلة العيد «هل يستمرون فى ترديدها طويلا؟». أستغرب السؤال الذى لم يراودنى من قبل، إذ من البديهى أن ترافقنى التكبيرات حتى حين تتوقف، كمن ترافقه دقات الساعة حتى فى زمن الساعات الذكية اليوم.
•••
المعمول: رائحة مداخل البيوت ورائحة الأمهات والجدات، خصوصا حين يأتى العيد فى الصيف.
السكاكر: حلويات من السكر والألوان مغلفة بأوراق حمراء وصفراء وخضراء، تلال منها تحملها عربات الباعة فى السوق.
القهوة المرة: أشبه بقهوة الصحراء، العربية وليس التركية، كمية كبيرة منها معبأة بأوان تحفظ الحرارة لتبقى دوما جاهزة ولا حاجة لصنع القهوة مع قدوم كل ضيف بلا موعد كما هو العرف يوم العيد.
الضيوف: «مين؟ افتح!» ــ أو هكذا كانت تقول جدتى، لا نسأل من الطارق يوم العيد، نفتح ونستقبل فقط. كان باب البيت يبقى مفتوحا أيام العيد الثلاث، أو مواربا فيدق أحدهم الباب ويدفعه ثم يقف فى المدخل ويصيح «كل سنة وانتو سالمين!» ليعرف أهل البيت أن ثمة ضيف قد أتى.
غداء العيد: هو بيت الجد والجدة، ومهما حاول الأبناء التخفيف عن الجدة، يجب ألا ينتقل مكان اللقاء من بيت الجد. فبيت الجد هو بيت العيد.
الثرثرة الجانبية: لا غداء عيد دون مجموعات صغيرة تحاول أن تدارى تعليقات تتبادلها عن بعض الحضور وطبعا يعرف الجميع أن المجموعة تثرثر. هذا المنظر ثابت كمنظر طبق المعمول وابريق القهوة.
العيدية: بأمانة لا أذكر ما اشتريته يوما بمجموع ما استلمته من الأقارب فى العيد، إنما أذكر فرحتى وشعورى بأننى صاحبة رأس مال يمكننى بنظرى حينها أن أفعل به ما أشاء.
زيارة من رحلوا: لم أذهب إلى المقابر فى حياتى، لكنى أتساءل اليوم عن مكان نومى الأخير وإن كنت سأحب أن يزورنى الناس يوم العيد ليخففوا من وحدتى.
•••
اليوم أتمسك بما أستطيع الحصول عليه، فأعد الأقرباء بزيارة العيد السريعة، وأحاول أن أفرد سكاكر فى البيت لا يحبها أطفالى فقد تغيرت الأذواق أو لم يسرقوا هم قط سكرة من عربة بائع فى السوق فالتصق طعم السكاكر فى ذاكرتهم بيوم الوقفة. أصر على تحضير غداء العيد دون أن أعرف من هم المعازيم، ولست جدة أصلا فلا يجوز أن أدعى أن هذا غداء العيد.
•••
ما علينا، أريد أن أقارب بين شجن يخنقنى وبهجة ما زالت تدخل قلبى يوم العيد. أهاتف القريب والبعيد، مع خاصية الصورة والصوت، أسأل عن التفاصيل، أتجاهل الأوضاع المعيشية المزرية وصعوبة اللقاءات لأسباب عديدة تتعلق والبعد والسفر والصحة. لماذا صار العيد معقدا هكذا؟ هنا حيث أعيش لم يدق بابى أحد فى أول يوم للعيد! يسألنى أولادى عن سبب تعلقى بالضيوف حين لم يزرنا أحد ويبدو لى أنهم لا يصدقون قصة بيت جدتى وبابه المفتوح على مدى أربعة أيام. أصر أن ثمة تقاليد كان متعارفا عليها على الأقل حتى سنوات قريبة، كأن نتبادل الزيارات السريعة وقد نلتقى بنفس الأشخاص فى زيارتين إذ نزور كلنا كبار العائلة ونضجر كأطفال من لقاء نفس الأشخاص خصوصا وأننا لا نحب المعمول وقد ينسى بعض الكبار العيدية أو يتناسونها، فما فائدة الزيارة؟
•••
تستمر تكبيرات العيد بإيقاعها المريح، أستمر بالحنين، يستمر أطفالى بالتساؤل، يستمر من أحب بالبعد والرحيل، تستمر رائحة القهوة فى حضورها القوى وألون السكاكر فى بهجتها. هل حضر العيد فعلا؟