السباق المحموم لإنقاذ البشرية
صحافة عربية
آخر تحديث:
الجمعة 21 أغسطس 2020 - 10:55 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الاتحاد الإماراتية مقالا للكاتب محمد عارف يعرض فيه السباق الموجود الآن بين الدول لتأكيد فاعلية ما وصلوا إليه من لقاحات ضد كورونا.. نعرض منه ما يلى.
اللقاح الأول الواقى من الفيروس ستطلقه موسكو نهاية الشهر الحالى، يليه أكثر من 165 لقاحا واقيا طوّرها علماء من مختلف الدول، 31 منها دخلت مرحلة التجريب على البشر. ذكرت ذلك «منظمة الصحة العالمية»، دون تفضيل لأى منها، لكن «نيويورك تايمز» تذكر أن «الخبراء قلقون من اللقاح الروسى المُتسرع»، ويعتقدون أن روسيا تقوم بقفزة خطرة على المرحلة الثالثة من اختبار اللقاح. وتضيف أن موسكو أعلنت بدء المرحلة الثالثة على ألفى شخص فى روسيا، إضافة إلى مشاركين من العالم العربى وأمريكا اللاتينية. هذا، بينما «المشاركون فى المرحلة الثالثة الجارية فى العالم عشرة أضعاف ذلك العدد».
وتطلق روسيا على اللقاح الجديد اسم «سبوتنيك»، تيمنًا بأول مركبة فضائية أطلقها الاتحاد السوفيتى عام 1957، استهلت السباق العالمى على الفضاء المستمر حتى الآن. و«لقاحنا ضد كورونا حَرَمكم من مليارات الدولارات، لذلك جُنّ جنونكم»، قال «ألكساندر غينسبرغ» مدير مركز «جماليا» الروسى لبحوث الأوبئة والأحياء الدقيقة الذى طوّر اللقاح، وأضاف: «من السذاجة أن نتوقع ردا إيجابيا من الدول الأخرى على تسجيل اللقاح الروسى ضد فيروس كورونا». وأكدّ أن اللقاح الروسى آمن تماما.
وتتهم بريطانيا روسيا باقتباس أبحاث كورونا التى قامت بها. وتسود مشاعر الشكوك والاتهامات أجواء السباق المحموم لإنقاذ البشرية من وباء «كوفيدــ19» الذى أصاب حتى الآن أكثر من 21 مليون شخص، وأدى إلى وفاة ما يزيد على 765 ألفا، من مختلف البلدان، تتقدمها على التوالى الولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك والهند وبريطانيا.
وطوّرت جامعة أكسفورد بسرعة قياسية لقاحا واقيا من فيروس «كوفيدــ19»، واختبرته على أكثر من ألف شخص، وكشفت تجاربها أنه يحفز جهاز المناعة، ويعزز قدرة الجسم على إنتاج الأجسام المضادة التى تقترن كيماويا بمواد يعتبرها الجسم أجنبية، كالبكتريا والفيروسات. ووجود هذه المواد فى الجسم دلالة على تعرضه للإصابة بالفيروس، وتطوّر قدرته المناعية ضده. وعندما نتحدث عن الفيروسات، نُرّكز عادة على المعاناة التى تسببها أمراض «إيبولا» والإنفلونزا وغيرها، لكن أجسامنا موئل لتريليونات الفيروسات. وتذكر أحدث الدراسات أن بعض هذه الفيروسات يحفظنا أصحاء. والجسم الخالى من الفيروسات والميكروبات التى تغطى أحشاء القناة الهضمية، يعجز عن تطوير كمية كافية من خلايا المناعة التى تحفظ الجسم.
وفى الصين يلعب الجيش الدور الأساسى فى تطوير اللقاح الواقى من «كوفيدــ19». وقد أشرفت على تطويره «تشين وي»، اللواء فى الجيش الصينى وعضو أكاديمية العلوم العسكرية التابعة للجيش الصينى، والتى حققت السبق العالمى فى تسجيل المراحل الثلاث من التجارب السريرية. وقادت اللواء «تشين وي» العملية منذ يناير الماضى، عندما أقامت أول مختبر تجارب نقال فى مقاطعة «هوبي» لمكافحة الوباء فى الخطوط الأمامية. وسرعان ما حقق فريقها السبق العالمى فى إجراء 1000 اختبار للناس يوميا، وأصبح أول لقاح فى العالم يدخل المرتبة الثانية، حسب «منظمة الصحة العالمية».
والرهان الأكبر لإنقاذ البشر، كما حدث منذ فجر التاريخ، على طبيعة البشر أنفسهم. وبالتحديد على ما يسمى «مناعة القطيع» التى تنشأ ذاتيا لدى الناس المصابين والمجتمعات المصابة. وهنا عكس المتوقع، الخلافات المحمومة للعلماء المعنيين تماثل خلافات السياسيين، رغم أن الموضوع يعتمد على النظريات العلمية والحسابات والإحصاءات الرياضية الدقيقة. وأخفق العلماء فى حل أكبر معضلة حسابية فى العالم الآن، وهى معرفة كم عدد الناس فى مجتمع ما ينبغى أن يصابوا بالفيروس وتنشأ عندهم المناعة كى يختفى فيروس «كوفيدــ19»؟ وحتى فى نيويورك، أكثر المدن إصابة بالوباء وأكثرها اكتظاظا بالعلماء والأكاديميات، لا يُعرف ما إذا كانت هناك موجة ثانية للوباء قادمة. وفى حومة السباق المحموم لإنقاذ البشرية تَذكر حكمة كونفشيوس: «أن تعرف ما تعرف، وأن تعرف ما لا تعرف، تلك هى المعرفة الحقة».