مصر الثورة.. والمسألة السودانية
محمد عصمت
آخر تحديث:
الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
جاءت زيارة الرئيس السودانى عمر البشير مؤخرا للقاهرة، ثم زيارة رئيس الوزراء هشام قنديل للسوادن أمس الأول، لتدشن مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادى بين البلدين الشقيقين، ولكن على أرضيتين سياسيتين متناقضتين تماما فى الأهداف والغايات..
فإذا كانت حكومة قنديل ــ ببراجماتية واضحة ــ تستهدف من هذا التعاون مواجهة أزمة اقتصادية طاحنة، دون ان تقحم نفسها فى أى اعتبارات سياسية داخلية بالسودان.. فإن حكومة البشير ــ التى تطالب المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه ومحاكمته على انتهاكات حقوق الإنسان فى دارفور ــ تستهدف فى المقام الأول كسر العزلة الدولية المحيطة بالرئيس السودانى نفسه، خاصة أن بلاده مرشحة لدخول نادى الربيع العربى، بعد المظاهرات التى اجتاحت الخرطوم والعديد من المدن السودانية مؤخرا، وتصاعد الدعوات من الغالبية العظمى من قوى المعارضة السودانية وعلى رأسها الصادق المهدى بإسقاط نظامه، وإقامة نظام ديمقراطى حقيقى فى السودان.
الكثير من الكتابات السياسية بصحف الخرطوم، اتهمت حكومة الإخوان فى مصر بالانتهازية السياسية، وقالت إن القاهرة ــ كالعادة ــ تجاهلت الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة التى يكابدها ملايين السودانيين تحت حكم البشير، كما تجاهلت التحذيرات التى أطلقها ساسة سودانيون كبار من خطر تشرذم السودان لعدة دويلات فى الشرق والغرب والشمال ،بعد انفصال الجنوب بالفعل، وأن القاهرة بتعاونها الاقتصادى مع نظام البشير، تقدم له مددا سياسيا يستغله فى مواجهة المعارضة المتنامية له، وأن القاهرة لا تزال تتعامل مع السودان بنفس منطق عبدالناصر والسادات ومبارك، الذى كان يؤيد الأنظمة الشمولية العسكرية فى الخرطوم!!
أنا شخصيا كنت أتوقع أن يفتح الرئيس محمد مرسى والدكتور هشام قنديل الملفات المسكوت عنها فى علاقاتنا الشائكة مع السودان، خلال لقاءاتهما مع كبار المسئولين السودانيين، ليردا على التساؤلات المشروعة حول مدى مشروعية وأخلاقية الدخول فى مشاريع اقتصادية استراتيجية مع نظام ديكتاتورى فى السودان، بدون أفق سياسى لهذه المشاريع يضمن الحرية والديمقراطية للشعب السودانى، أو على الأقل لا يساعد على استمرار انتهاك حرياته وحقوقه الديمقراطية.
كنت أتوقع أيضا من مؤسسة الرئاسة، أن تدرك الدور الذى لعبه نظام الفريق عمر البشير خلال سنوات تحالفه مع الدكتور حسن الترابى فى انفصال جنوب السودان، والذى ساقتنى الظروف فى بداية التسعينيات حينما كنت مسئولا عن صفحة «الأشقاء» المعنية بالشئون السودانية فى جريدة الوفد، على الاقتراب منه، حينما قدم لى مبارك الفاضل المهدى وزير داخلية السودان السابق، صورة ضوئية من اتفاقية سرية تم توقيعها فى مدينة فرانكفورت بألمانيا عام 1992مذيلة بتوقيع د. على الحاج مساعد د. حسن الترابى، ورياك مشار أحد القادة المنشقين على جون قرنق، تعطى للجنوبيين حق الانفصال تحت اسم تقرير المصير.
كان المفترض من مصر الثورة، التى أدركت قيمة الحرية والديمقراطية، ألا تتجاهل الحقوق المهدرة للأشقاء فى السودان، وأن تمارس ضغوطا على البشير ليمنح الحرية لشعبه، وكان يمكنها ــ قبل أن تبحث عن مصالحها الاقتصادية ــ أن تدعو لمؤتمر فى القاهرة، يجمع بين الحكومة وفصائل المعارضة السودانية، يناقش سبل إقامة نظام جديد للحكم فى السودان.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء للسودان الشقيق يدركه، حتى بعد أن قامت الثورة فى مصر!