سوريا فى المبادرات الإقليمية والدولية: أوقفوا القتل
فوّاز طرابلسى
آخر تحديث:
الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 8:40 ص
بتوقيت القاهرة
بعد جولة أولى من المشاورات والمداولات، بما فيها لقاء مع الرئيس الأسد، عاد المبعوث العربى الأممى الأخضر الإبراهيمى إلى قواعده فى القاهرة ولا مبادرة حلّ لديه. وفى القاهرة، أنهت اللجنة الاقليمية الرباعية اجتماعا لها فى غياب وزير الخارجية السعودى ـ بلا عذر مقنع البتة ـ من دون أن تتوصل إلى أى قرار.
مبادرتان تستدعيان التوقف حول الجدوى من كل منهما. تفرّعت هذه وتلك عن مهمة كوفى انان بعد أن أعلن الرجل تنحيه عن مهمته. أخفق الرجل مطلع مهمته فى إنجاح اتفاق لوقف اطلاق النار ومراقبته عن طريق مراقبين من الأمم المتحدة. قفز، فى مرحلة ثانية، مباشرة إلى السعى لإطلاق «العملية السياسية» من دون نجاح هنا أيضا. لم يخف المبعوث الأممى التلميح إلى أن النظام هو المسئول الأول عن إخفاق مهمته لأنه الطرف الأقوى والأقدر على المبادرة.
●●●
فى ظل مهمة انان، وبعيدها، انتقلت الأزمة السورية الدموية إلى أطوار أشد: حصلت أعلى مستويات من التصعيد العسكرى فى الأزمة الدموية السورية المستمرة منذ سنة ونصف السنة. قفز معدّل القتلى يوميا إلى ما فوق المائة قتيل، استقر فوق سقف أعلى، إذ دارت معارك طاحنة داخل المدن وجرى اللجوء المتزايد إلى المدفعية والطيران المروحى والنفّاث، وارتفع منسوب نمط القنابل التى ترمى على مدنيين. والهدف هو ذاته: تحقيق انتصار عسكرى لا تشخيص له. والنتيجة: القتل العبثى الصافى. كانت المعركة الفاصلة وعلامة «الانتصار» هى اقتحام بابا عمرو فى حمص. دمّر الحى الشعبى على رءوس سكانه ومعه وفوقه ثلاثة أرباع المدينة وجاءه «الفاتح» متفقدا معالم الانتصار برفقة المندوب الأممى. ولا نصر. بعد أسابيع، عاود الطيران النظامى قصف بابا عمرو فى عداد الأحياء التى يقصفها. انتقلت المعركة الفاصلة وعلامة «الانتصار» إلى اقتحام حى صلاح الدين فى حلب. الحى قيد التنازع بين النظامى و«الحر» ولا نصر. منذ أسبوعين أعلن ضابط نظامى كبير أن تطهير حلب سوف يتم فى غضون عشرة أيام. والدم ينتظر.
وافق النظام السورى على مهمة انان على وهم «الحسم». وها هو يوافق على مهمة الإبراهيمى بناء على الوهم ذاته. والسؤال ما الجدوى أصلا من استبدال انان بالإبراهيمى، اللهم إلا إذا كان «المجتمع الدولى» يريد إقناعنا بأن الثانى أكثر كفاءة من الأول ربما بسبب هويته العربية؟ الجواب الوحيد المقنع هو إن الإبراهيمى مزوّد باتفاق دولى يسمح له بأن يحقق ما لم يحققه الأوائل من الوسطاء. وهم كثر.
●●●
ليس أدلّ من عدم وجود ما يحمل على هذا الاعتقاد من وجود المبادرة المصرية الرباعية. وأول ما يجب قوله إنه لا وضوح على الإطلاق: ما الفارق فى المهمات بين مبادرة الأخضر الابراهيمى ومبادرة الرئيس محمد مرسى، اللهم إلا أن الأخيرة ذات طابع «اقليمى»، مع أنها ملغومة بالنزاع السعودى ـ الإيرانى. طرف يسعى للتهرّب منها وطرف يسعى لكسب أكثرية فيها بضم فنزويلا والعراق. اللافت فى الموقف الإيرانى هو اقتراح إرسال مراقبين من الدول الأربع إلى سوريا للمساعدة على وقف العنف. وأنه لمعبّر جدا أن يأتى مثل هذا الاقتراح بعيد الإعلان عن وجود قوات من الحرس الثورى فى سوريا ولبنان. ومع أن الخارجية الإيرانية نفت الخبر، والسفير الإيرانى فى لبنان طمأن الرئيس سليمان إلى أن الوجود المقصود يقتصر على سوريا، يكشف الاقتراح الإيرانى بُعدا جديدا كل الجدّة حول وجود قوات من الحرس الثورى فى البلد الشقيق. إن وجود القوات يشكل استباقا إيرانيا من أجل الحضور الوازن فى أى قوة دولية سوف تشرف على وقف إطلاق النار.
من جهة أخرى، لا يزال التحذير الروسى ضد التدخل العسكرى الغربى مزحة سمجة تسمح للقيادة الروسية بالاستمرار فى سياسة «إغراق السمكة» وتحوير الموضوع، خصوصا بعد أن اكتشفت القيادة الروسية أن ما يجرى فى سوريا «صدام حضارات» يحمل الخطر الإسلامى الأصولى الذى يهدد المسيحيين الذين تطمح روسيا إلى أن تلعب بالنسبة إليهم دور «الأم الحنون». وقد يتساءل المرء لماذا يقتصر خطر صدام الحضارات على المسيحيين من دون سواهم من مكونات الشعب السورى، لولا أن التحذير الروسى لا يخفى مقصده: الإعلان عن حلّ يقوم على أساس طائفى.
●●●
وفى المقابل، عالم غربى يعلى الصوت ويهدد بـ«التدخل» فى حال استخدم النظام أسلحته الكيماوية والجرثومية وهو يعرف أن استخدامها فى الحرب الحالية مستحيل. لكنه يغض الطرف، ومعه المجتمع المسمى دوليا عن: ربع مليون لاجئ خارج بلادهم فى العراء أو ما يشبهه، على أبواب الشتاء. وعشرات الألوف من الضحايا ومقدار أكبر من المعتقلين، وتصعيد فى استخدام أسلحة الدمار. فبعد مدافع الدبابات والمدفعية الثقيلة والمروحيات صار قصف الطيران مشهدا يوميا، وآخر مبتكراته إلقاء البراميل الحارقة على الأحياء السكنية وهى معدّة طبعا لاقتناص «العصابات الإرهابية المسلحة». إلى هذا، الإعدام الميدانى.. للمدنيين. ودمار يزيد على دمار 24 سنة من الحروب اللبنانية. ناهيكم عن المآسى الإنسانية مع تصاعد حالات الاغتصاب ونمو ظاهرة السبى للاجئات فى المخيمات عبر الحدود تحت ستار «السترة» أو بدافع العوز، بتزويج الفتيات بل القاصرات من رجال، خليجيين فى معظم الحالات، وموسم دراسى يبدأ ولا يبدأ مع وجود ألفى مدرسة مدمّرة قبل أن نتحدث عن مصير الأساتذة والتلامذة والطلاب.
●●●
بعد كل هذا، ما أهمية التحليل والتوقع؟
المطلوب امر واحد: أوقفوا القتل!
هى صيحة ليست موجهة لأحد على الارض أو فى السماء.