أين الأمة العربية وجيوشها؟

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الإثنين 21 أكتوبر 2024 - 7:00 م بتوقيت القاهرة

لماذا لا تتدخل الجيوش العربية لحماية أمنها القومى ولنصرة الفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلى الوحشى تطبيقا لمواثيق واتفاقيات الدفاع العربى المشترك؟

 


هذا سؤال يكرره كثير من المواطنين العرب البسطاء وهم يرون إسرائيل تعيث فسادا وقتلا وتدميرا فى فلسطين ولبنان وسوريا. وتقول إن أياديها الطويلة قادرة على الوصول لكل مكان فى الشرق الأوسط، بل إنها تنوى تغيير المنطقة بأسرها.
من حق الناس أن تسأل الأسئلة الطبيعية، ومن حقها أيضا أن تعرف الواقع المرير الذى تعيشه الأمة العربية بأكملها تقريبا.
الذين يسألون هذه الأسئلة التى تبدو طبيعته ومنطقية يتعاملون ويفكرون باعتبار أن هناك جسدا وجسما موحدا اسمه الأمة العربية لديه نفسها الأهداف والأفكار والآمال والطموحات.
طبعا أؤمن إيمانا أكيدا بالأمة العربية من المحيط للخليج وأؤمن أن غالبية الشعوب العربية لديها نفس الآمال والأفكار وتتوق إلى التوحد، لكن أنا أتحدث اليوم عن الحكومات والأنظمة، والأمر الواقع، الذى يجعل من التوحد الآن أمرا بعيد المنال للأسف الشديد.
السؤال الذى سوف يصدم كثيرين هو: إذا كانت غالبية الدول العربية غارقة فى انقسامات وحروب أهلية وطائفية وعرقية وجهوية، وغير قادرة على توحيد نفسها، فهل ستكون قادرة على دعم ونصرة الفلسطينيين ومواجهة إسرائيل؟!!
بل إن السؤال الأنكى والأصعب هو: إذا كان الفلسطينيون أنفسهم غير قادرين على إنهاء انقساماتهم لمواجهة العدو المشترك، فكيف يلومون الآخرين على عدم دعمهم؟!!
أى مواطن عربى يسأل: أين دعم الدول العربية للقضية الفلسطينية؟ عليه أن يسأل نفسه عددا من الأسئلة البسيطة والبديهية ووقتها سوف يدرك حقيقة الواقع المرير، ويبدأ فى رؤية الصورة على حقيقتها وربما فى هذه الحالة ربما تكون هناك أفكار للخروج من هذه الحالة المزرية.
من بين هذه الأسئلة مثلا ما الذى تملكه العديد من الدول العربية غير إصدار بيانات الشجب والإدانة لإسرائيل والتضامن مع الفسطينيين؟ بل إننا وصلنا إلى مرحلة صرنا لا نجد فيها حتى بيانات الشجب!
مثلا لدينا ليبيا، هل يمكنها دعم الشعب الفلسطينى بغير البيانات؟ هى فى حالة انقسام وحروب أهلية وجهوية منذ عام ٢٠١١، لا يوجد أساسا جيش موحد فى ليبيا حتى نتحدث عن إمكانية مساعدته للفلسطينيين.
وما الذى يمكن أن يفعله السودان وجيشه، وهو الذى يعانى حربا أهلية طاحنة منذ إبريل ٢٠٢٣، حولت عشرة ملايين من مواطنين إلى نازحين ومئات الآلاف إلى لاجئين فى دول الجوار.
نفس الأمر ينطبق على الصومال الذى لا يستطيع إعادة توحيد كل أقاليمه، بل إن إقليم أرض الصومال المتمرد والمنشق منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضى، وقع على اتفاق منفرد مع إثيوبيا يعطيها حق إقامة ميناء وقاعدة عسكرية على شاطئ البحر الأحمر فى مكان استراتيجى قبالة ميناء عدن.
وما الذى يمكن أن تفعله سوريا وهى تعيش حربا أهلية منذ مارس ٢٠١١، جعلت كل جيوش القوى الكبرى موجودة على أراضيها، وتشن إسرائيل عليها هجمات واعتداءات متكررة دون أن يتمكن الجيش السورى المنهك من التصدى لها.
ونعلم تماما ظروف دول الخليج ومعظمها لا يملك جيوشا كبيرة وقوية، ربما باستثناء الجيش السعودى الذى حارب طويلا مع قوى الشرعية فى اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران .التى يعتبرها عدد كبير من دول الخليج خطرا حقيقيا على أمنهم القومى.
نفس الأمر ينطبق على لبنان، فحزب الله يدعم الفلسطينيين فعلا، لكنه على خلاف جوهرى كبير مع بقية القوى السياسية اللبنانية التى تتهمه بأنه اختطف الدولة اللبنانية ويخوض الحرب لمصالح طائفية ولم يستشر بقية القوى السياسية. ونفس الأمر ينطبق على الحشد الشعبى فى العراق، فهو يدعم الفلسطينيين باعتباره مقربا لإيران، ومن دون موافقة الحكومة العراقية المرتبطة باتفاقيات رسمية مع الولايات المتحدة.
ونعلم ظروف الأردن الصعبة وموقعه الجغرافى شديد الصعوبة وهو ما يجعله يسير على حبل مشدود دائما.
إذن من الذى بقى؟!
فقط مصر، هى الوحيدة التى لديها استقرار نسبى وجيش قوى، وبالتالى فحينما يتحدث كثيرون عمَّن يتصدى لإسرائيل فهم عمليا يقصدون مصر.
والسؤال ببساطة: هل تتصدى مصر وحدها، أم يفترض أن يكون هناك دعم عربى حقيقى، وهو للأسف غير موجود بالمرة، وما هى إمكانياتها ومواردها وظروفها وأزماتها ومشاكلها؟
وبالتالى هل هناك بدائل وأوراق أمام مصر غير الحرب أم لا؟ وهل يجب أن تفكر ألف مرة قبل أى محاولة للتورط.. وهل من حق مصر أن تدافع عن حدودها وأمنها القومى فقط أم تنجرف إلى مغامرة غير محسوبة؟!!
أسئلة كثيرة يجب أن يجيب عنها الخبراء والعلماء والمفكرون والمسئولون بهدوء ومن دون شطط يمينا أو يسارا وبعيدا عن العواطف وانفعالات وجهالات السوشيال الميديا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved