التحضر مقابل الهمجية
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الإثنين 21 نوفمبر 2011 - 9:40 ص
بتوقيت القاهرة
فى اللحظات الأولى لفض قوات الأمن لاعتصام ميدان التحرير عصر السبت بالقوة اتصلت بى قناة «الجزيرة مباشر مصر» للتعليق على ما يحدث.
الصورة لم تكن واضحة وقتها، اتصلت ببعض الزملاء فى الميدان لأعرف ما يحدث، فقال لى أحدهم إنه رأى «أشكالا غريبة» تقوم بحرق إحدى سيارات الشرطة.
فى المداخلة التليفزيونية قلت إن الذى يقوم بحرق سيارة شرطة أو يعتدى على أى منشأة حكومية أو خاصة لا يمكن أن يكون من أنصار الثورة أو ينتسب إليها.
بعد ذلك بقليل فوجئت بهجوم ضارى عبر «تويتر» يتهمنى بأننى «بعت القضية».
لا أدعى الحكمة بأثر رجعى، ولا أجيد فنون المناورة، وليس عيبا أن أعتذر عن أى خطأ وقعت فيه، لكن مازلت أصر على أن أجمل ما فى ثورة 25 يناير كان سلميتها وتحضرها ورقيها.
ما أدهشنى وأحزننى أكثر أن أحد الأصدقاء الأعزاء اتصل بى مستنكرا إدانتى لحرق سيارة الشرطة، قائلا: «يستاهلوا».
مثل هذا التفكير يعجب أنصار مدرسة حبيب العادلى وكل الذين يريدونها «ضلمة». عندما يكون خصمك غاشما قمعيا ومستبدا، فإن أفضل ما يتمناه أن تكون أنت مثله، وعلى شاكلته لأنه سيضمن فى هذه الحالة تفوقه، طالما ان الاحتكام سيكون للقوة والعنف والبلطجة.
هل مازلنا نتذكر أن أفضل ما يتذكره العالم عن ثورة 25 يناير هو سلميتها وتحضرها ورقيها، إذا كان ذلك كذلك فلماذا نصر على محو هذا الشرف والسقوط فى بئر العنف؟
من قبيل التكرار القول إن سيارة ومدرعة الشرطة ومبنى الداخلية بأكمله هو ملك للشعب، عندما نحرق هذه السيارة أو ذاك المبنى فإننا نحن ولسنا ضباط الشرطة الذين سندفع ثمنها.
أعرف أن الواقع على الأرض قد يكون مختلفا وان المتظاهر الذى يحرق سيارة شرطة مثلا قد يكون تعرض لتعذيب شديد أو رأى زميله أو صديقه تعرض لإطلاق نار، ورغم ذلك فعلينا ألا نقر هذا السلوك.
قد يكون هذا الكلام حالما أو مغرقا فى المثالية، لكن علينا دائما أن نكرره ونتمسك به وندعو إليه، لأنه الذى سيحافظ فى النهاية على إنسانيتنا وتحضرنا.
ليس مقبولا أن نبرر أى سلوك خارج بأنه كان تحت ضغط، وأن الشرطة تتجاوز دائما وتبادر بالهجوم والقمع.
جميعنا أو معظمنا ينتقد الشرطة ليل نهار بسبب منهجها وكل أساليبها القمعية وعقيدتها المنحرفة، لكن ذلك لا يبرر أن نتحول نحن لنكون صورة مصغرة منها.
ما حدث يوم السبت فى ميدان التحرير كارثة بكل المقاييس، ويؤكد بوضوح أننا نحتاج شرطة جديدة وحكومة جديدة، وعقلية سياسية مختلفة فى المجلس العسكرى.
لكن ومرة أخرى عندما يخطئ أحد الثوار علينا أن نتحلى بالجرأة والشجاعة وتقول له أخطأت.
لن يحمى الثورة إلا توحد قواها وسلمية تحركها ونبل هدفها.