صورة سياسية
جميل مطر
آخر تحديث:
الأربعاء 21 نوفمبر 2012 - 8:35 ص
بتوقيت القاهرة
صورة نشرتها الصحف وتناقلتها الشبكة الفضائية جذبت انتباهى ولعلها لفتت أنظار ملايين القراء والمشاهدين. الصورة لسبعة رجال، يرتدون قمصانا بيضاء وربطات عنق حمراء وحللا سوداء أو ربما بلون كحلى غامق، لم يخالجنى شك فى أن ترزيا واحدا قصها وحاكها ولم تكلفه جهدا كبيرا، فالسبعة مقاسهم واحد، وطولهم واحد، وعرضهم واحد، وأكاد أقول وزنهم واحد، حتى الرءوس يكسوها شعر بنفس درجة السواد رغم أن جميعهم بدون استثناء تجاوزوا الستين من العمر. أكاد أقول أيضا إن السبعة ربما خضعوا لبرنامج غذائى ورياضى لمدة طويلة على أيدى خبراء تجميل ومدربى تمارين رياضية كشرط من شروط الترشيح لهذه الوظيفة الهامة.
هؤلاء الرجال السبعة هم أعضاء اللجنة الدائمة للحزب الشيوعى الصينى، والصورة التقطت لهم فور انتهاء مراسم انتخابهم من قبل اللجنة المركزية للحزب، وهذه انتخبها المؤتمر العام الذى يضم أكثر من 2500 ممثل لوحدات الحزب فى كافة أنحاء الصين.
تأملت مليا فى الصورة، ثم أخذت واحدا بعد الآخر من السبعة العظام لأبحث فى خلفيته وشخصيته. اكتشفت، ويبدو أن بعض المتخصصين فى شئون الصين اكتشفوا أيضا، أن الأعضاء السبعة أبناء أو أحفاد قادة عظام فى الحزب الشيوعى الصينى كانوا فى وقت من الأوقات رفاقا للرئيس ماو تسى تونج، ومنهم شن بينينج الامين العام الجديد للحزب والرئيس القادم للجمهورية الصينية اعتبارا من شهر مارس. السبعة وريثون لقادة فى النخبة، بمعنى أنه لا يوجد بينهم واحد ينتمى فى الأصول إلى طبقة العمال والفلاحين وإن ادعوا جميعا أنهم عملوا دائما لصالح العمال والفلاحين، وأنهم كانوا عمدا ومحافظين متعاطفين مع الطبقات الصينية الكادحة. هكذا صارت الوراثة وصلات الدم فى الصين الشيوعية، كما فى البلاد الرأسمالية والاقطاعية، من أهم مسوغات التعيين فى أعلى وظائف السلطة.
تذكرت ثورة مصر ضد التوريث، ولكنى تذكرت أيضا أن صلات الدم ما زالت تقرر مصير رجل السياسة فى عديد الدول أكثر مما تقرره صلات أخرى أو كفاءات سياسية وإدارية. لدينا النماذج، وبعضها ناجح. ففى أمريكا توارث أهل بوش الحكم. وكذلك آل كنيدى وجور ورومنى وعائلة الرئيس بيل كلينتون الذى تستعد امرأته للرئاسة القادمة وابنته للرئاسة بعد القادمة.
هناك أيضا عائلة غاندى التى توارثت السلطة فى الهند بعد السيدة إنديرا غاندى، وعائلات ملكية ما زالت تتصدر المشهد السياسى فى أوروبا، ولكن جميعها بدون استثناء فقدت الحق فى الحكم أو ممارسة أى نوع من السلطة. بقى فى الخريطة السياسية لعالم النظم الملكية عائلات ملكية قليلة العدد ما زالت تملك وتحكم فى بعض الدول العربية، وجميعها يمر فى أدق مرحلة من مراحل حياتها بسبب ريح الربيع العاتية.
أعود إلى صورة السبعة العظام فى الصين وما يمكن أن تثيره من أسئلة، أولها وأهمها أن الصين بعد ما حققته من نمو سريع ومكانة دولية فى زمن قصير، ما حاجة حكامها الآن إلى شرعية يكون مصدرها صلات الدم برفاق «عظام أيضا» من أيام الثورة الشيوعية الكبرى. لا يبدو معقولا أو منطقيا أن وريثا لرفيق شيوعى يستطيع أن يقود التغيير فى بلاده على نمط رأسمالى يتناقض جذريا مع نمط أجداده الحمر. أثار انتباهى أن الحزب فى حملته الدعائية لكسب التأييد للسيد شين كأمين عام جديد للحزب استند إلى أصوله الشيوعية الحمراء، بل لقد توقفت طويلا أمام تصريح له أدلى به قبل سنوات وصف فيه قادة الحزب الذين لا تربطهم بالثورة الشيوعية صلات دم ونضال بأنهم «أبناء بقالين».
نعرف أن قادة الصين يعتنقون مبدأ المحافظة على الاستقرار كأساس لاستمرار النمو الاقتصادى. وفى رأيهم أن تجنيد رجال الحزب من بين ذوى القربى بزعماء الماضى يضمن لهم شعبية، فالناس العاديون يطمئنون لأسماء يعرفونها أو سمعوا عنها أكثر مما يطمئنون لأسماء جديدة.
هنا نسأل، وما العمل بعد انقضاء السنوات العشر التى سيقضيها السبعة العظام فى حكم الصين؟ المعروف أن وقتها لن يجد هؤلاء القادة بسهولة من يتولى حكم الصين بعدهم وتتوافر فيه شروط صلات دم مباشرة برفاق اشتركوا مع الرئيس ماو فى مسيرته العظمى أو فى حكم البلاد بعد التحرير. لن يكون مستحيلا ولكنى أظن أن عملية التجنيد لقيادة الصين بعد عشر سنوات سوف تبدأ على الفور وستحتاج إلى ثورة فى المفاهيم وفى تنظيم الحزب، فالشعب الصينى، مثل غيره من الشعوب، بدأ يسلك الطريق نحو إعادة تعريف مفهومه للسلطة السياسية ومن يتولاها ووضع معايير لاختيار القادة تختلف عن معايير مستخدمة حاليا مثل صلات الدم والنضال والثورة.
جدير بالذكر أن الرئيس ماو تسى تونج كان يأمل أن تفرز الثورة الثقافية التى أشعلها فى عقد الستينيات أجيالا جديدة من نشطاء الحزب لا يربطها بالقادة الثوريين صلات دم. كان يأمل أن يكون للجيل الجديد من حكام الصين ثورتهم الخاصة بهم، وليست ثورة يرثونها. أظن أن بيننا من كان يأمل أن تفرز ثورة يناير جيلا جديدا من الحكام لا تكون من مهامه إعادة إنتاج قيم وسياسات مجتمع متخلف. وما زالت عملية الفرز مستمرة.