الخليج ــ الإمارات: خلل الرؤية العربية الجديدة
صحافة عربية
آخر تحديث:
الخميس 21 نوفمبر 2019 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب عبدالحسين شعبان، جاء فيها ما يلى:
فى اجتماع المكتب الدائم لاتحاد الحقوقيين العرب انطلق حوار فكرى جاد ومسئول لبلورة رؤية حقوقية عربية نهضوية جديدة لمواجهة ما سمى بـ«صفقة القرن» وحماية «الأمن القومى العربى».
والحديث عن رؤية جديدة هو موضوع قلق أكثر منه طمأنينة، وهو سؤال شك وليس سؤال يقين، وفى الوقت نفسه تعبير عن رغبة وليس عن إرادة بالضرورة، وبهذا المعنى تبقى المسألة تدور فى إطار أزمة وتحدٍ أكثر مما هى تعبير عن ثقة وأمان، وإلا فما معنى رؤية جديدة؟ وما علاقتها بالهوية والمواطنة؟
وهنا يمكن استعراض مقاربتين متداخلتين:
الأولى: تتعلق بمعنى الرؤية ودلالتها، والثانية: بمدى التحقق والإنجاز، أهى مبددة وضائعة ولا بد من استعادتها، أم هى موجودة وغائرة ولا بد من الكشف عنها بإرادة لاستكمالها؟ ودائما ما نقول هناك علاقة عضوية بين العلة والمعلول، مثلما هى بين السبب والنتيجة، ويتعلق الأمر بالخصوصية بقدر ارتباطه بالكونية، فهل هناك مفهوم دقيق لتلك الرؤية النهضوية العربية الحقوقية والإنسانية فى آن؟ وما النظرة المتسقة بالوعى الحقوقى فى إطار التحرك الجامع. والموضوع محمول بدلالاته المختلفة من حيث علاقته بالكينونة الثقافية الحقوقية والحداثية ودوائرها المختلفة.
وقد واجه الحقوقيون العرب، كشريحة حيوية من المجتمعات العربية، صدمات داخلية وخارجية عديدة أهمها: صدمة الاستعمار، وكانت تلك فترة الإرهاص والتأسيس، من سايكس ــ بيكو إلى وعد بلفور إلى محطة الانتدابات، ولا تزال تأثيراتها قائمة إلى اليوم. وصدمة قرار التقسيم عام (1947)، وصولا إلى قيام دولة «إسرائيل» (1948)، ثم صدمة هزيمة 5 يونيو 1967، وهذه جميعها بقدر ما هى صدمات خارجية كان لها أسباب داخلية عميقة.
أما صدمات الداخل، فهى تتعلق بتشكيلات ما بعد الاستقلالات، وقيام الدول الوطنية، والأمر له علاقة بشح الحريات والتسلط، فضلا عن قيام نمط جديد من الحكومات، ولا سيما بعد قيام الانقلابات العسكرية، ومع ذلك ظلت الشعوب موحدة والموقف الحقوقى موحدا إلى حد ما.
وفى الكثير من الأحيان اتجهت الحركة الحقوقية العربية إلى تغليب السياسة على المهنية، ونشأت صراعات بين أطرافها امتدادا للصراعات السياسية والحزبية، بما فيها ضعف الدفاع عن فكرة المواطنة الموحدة والجامعة وقصور فكرة التضامن، تارة بحجة الصراع العربيــ «الإسرائيلى» وأخرى لأن العدو يدق على الأبواب
وقدر لى أن أستجمع بعض ما تبقى من شجاعتى لأقول لرئيس عربى: إن المواجهة الواقعية هى بالمواطنة، فالمواطنة هى القوة الحقيقية، فما بالك حين تكون مقترنة بالمعرفة، وحسب الفيلسوف البريطانى فرانسيس بيكون «المعرفة قوة»، وهى «سلطة» فى الآن ذاته.
والمعيار الحقيقى هو حكم القانون، وحسب مونتسكيو «القانون مثل الموت ينبغى أن ينطبق على الجميع»، أى لا استثناء فيه، ولا فرق بين الحاكم والمحكوم بالخضوع له.
وشهدت الحركة الحقوقية صراعات داخلية وأحيانا على مستوى نظرة هذا الفريق السياسى أو ذاك فى هذه الدولة العربية أو تلك، كما شهدت صراعات عربية ــ عربية انعكاسا للأوضاع العربية، وهذه أضعفت من مهنيتها.
وبتقديرى أن الخلل يعود إلى النقص فى الثقافة الحقوقية والوعى القانونى، وإلى عدم الإقرار بالتنوع والتعددية وعدم المساواة فى الحقوق والواجبات، فضلا عن شح الحريات، ولا سيما حرية التعبير. وفى فترة لاحقة غلبت بعض المنظمات الحقوقية المهنى على السياسى، وإن كان السياسى أكثر تأثيرا.
آن الأوان لرد الاعتبار والتوازن والتفاعل بين ما هو مهنى وما هو سياسى، وبين ما هو تكتيكى وما هو استراتيجى، مثلما بين ما هو ظرفى وما هو بعيد المدى، وبين ما هو وطنى وسياسى كجزء من المشاركة فى العمل العام، وأى اختلال فى أى جانب منه سيقود إلى اختلال المعادلة، ويضعف بالتالى من دور الحركة الحقوقية ذات البعد الإنسانى، سواء بوظيفة التضامن من جهة، وهى وظيفة أساسية، أو الدفاع عن مصالح الأمة العربية من خلال مشروعها النهضوى التجديدى لمواجهة التحديات الخارجية.
والخطوة الأولى بتعزيز المواطنة الفاعلة من خلال الربط بينها وبين النضال لتحقيق الاستقلال السياسى والاقتصادى والتوجه صوب التنمية المستدامة فى إطار منهج يقوم على رضا الناس وخياراتهم الديمقراطية، وبالحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، وذلك بالتقارب والتنسيق والتعاون وصولا للاتحاد بين البلدان العربية ككتلة تجمعها مصالح مشتركة، بما يعزز الانبعاث الحضارى لتاريخ عريق يربط بين الحداثة والقدامة، ومثل هذا التوجه كان مطروحا للنقاش فى عمان لبلورة الرؤية الحقوقية العربية النهضوية لمواجهة صفقة القرن، وفى إطار تجديد هيكليات «اتحاد الحقوقيين العرب».