الهجرة والمهاجرون فى ضمير العالم
إبراهيم عوض
آخر تحديث:
الأحد 21 ديسمبر 2014 - 9:35 ص
بتوقيت القاهرة
احتفل العالم يوم الثامن عشر من ديسمبر باليوم الدولى للمهاجرين، عملا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتخذ فى سنة 2000 بهذا الشأن. الاحتفال بهذا اليوم الدولى هو احتفاء بكل مهاجر فى كل مكان، بكل رجل وامرأة اضطرتهم ظروفهم أو دعاهم طموحهم لأن يعيشوا خارج بلدان مولدهم. يقدر عدد المهاجرين الدوليين فى الوقت الحالى بـ232 مليونا، نصفهم من النساء. فى حساب هذا التقدير، اعتبر مهاجرا من عاش فى بلد خارج بلد مولده لاثنى عشرة شهرا زائد يوم واحد، فإن لم يوجد بشأن مكان المولد استعيض عنه ببيان عمن عاش فى بلد غير البلد الذى يحمل جنسيته. على الرغم من النمو الملحوظ فى عدد المهاجرين الدوليين منذ التسعينات الأولى فى القرن العشرين، فإن نسبة المهاجرين إلى إجمالى سكان العالم تقدر بـ3.2 فى المائة، وهى تقريبا نفس النسبة التى عرفتها بدايات القرن العشرين. بالطبع توجد فوارق ما بين بدايات كل من القرنين الماضى والحاضر، الفارق الأهم فيها هو أنه بفعل التطورات السكانية، بعض المناطق التى كانت المصادر الأساسية للهجرات، مثل أوروبا الغربية والوسطى والشمالية، أصبحت منذ عقود مقصدا للهجرات، فلقد انعكس انخفاض معدلات المواليد ونمو السكان والزحف المستمر للشيخوخة فيها، فى ارتفاع الطلب على اليد العاملة وهو طلب قابله عرض من بلدان ترتفع معدلات نمو السكان فيها دون أن تصاحبها معدلات شبيهة فى النمو الاقتصادى. من الفوارق المهمة التى تلفت الانتباه كذلك بروز بلدان الخليج كمنطقة جاذبة للهجرة أصبحت تستوعب حوالى 12 فى المائة من المهاجرين الدوليين على الرغم من صغر حجم السكان فيها، بل وبسبب هذا الصغر الذى لا يتناسب مع حجم مواردها المالية وضرورات استثماره.
•••
الضجر بالمهاجرين من البلدان النامية فى جنوب العالم يصدر أساسا عن البلدان المصنعة فى شماله. هذا الضجر يتزايد يوما بعد يوم، ومع ذلك، فإن الأرقام تبين أنه إذا كان 35 فى المائة من المهاجرين انتقلوا من بلدان الجنوب إلى الشمال، فإن 35 فى المائة مثلهم، انتقلوا فيما بين بلدان الجنوب. فى الجنوب بلدان غنية بنفطها أو بالتقدم الاقتصادى الذى تحرزه، ولكن أغلب بلدان الجنوب ذات اقتصادات متخلفة تعوزها الموارد، وهو ما يعنى أن أى ضغوط تمثلها الهجرة أشد وطأة على بلدان الجنوب منها على بلدان الشمال. الحديث عن وطأة الهجرة على بلدان الاستقبال الغنية يحيد بالانتباه عن إضافات المهاجرين إليها. منذ عقد من الزمان، قدرت منظمة العمل الدولية أن العمال المهاجرين يمثلون 50 فى المائة من الهجرة الدولية، واللاجئين 7 فى المائة منها، والطلاب وممارسى المهن الفنية 2 فى المائة، ويتبقى 40 فى المائة، أغلبيهم الساحقة هى أسر العمال المهاجرين. إذا ما أضفت العمال إلى أسرهم لأيقنت أن الهجرة هى أساسا هجرة من أجل العمل، وهى هجرة تجعل النشاط الاقتصادى ممكنا فتنتج السلع والخدمات وتنشىء الثروات والدخول وتعم فوائدها بلدان الاستقبال. التكاليف التى تتحملها بلدان الاستقبال فى إعاشة المهاجرين ليست إلا جزءا من الإيرادات التى يشتركون فى توليدها. وليس أبلغ فى الدلالة على إسهامات العمال المهاجرين من تحويلاتهم المالية إلى أسرهم فى بلدانهم الأصلية. هذه التحويلات هى جزء من أجورهم التى ما كانوا يحصلون عليها لو لم تكن لقاء قيمة مضافة حقيقية يقدِرها مشغلوهم. تحويلات العمال المهاجرين إلى البلدان النامية فى سنة 2013 تقدر بـ404 مليارات دولار، وهى ثانى أكبر التدفقات المالية إلى البلدان النامية، بعد الاستثمار الأجنبى المباشر، وإن كانت أفضل توزيعا منه. الاستثمار الأجنبى المباشر مركز تركيزا شديدا فى عدد محدود من البلدان مثل الصين، والهند، والبرازيل، وهو ما يجعله يأتى بعد التحويلات فى الغالبية الساحقة من البلدان متوسطة الدخل. هذه حالة مصر، التى قدر البنك المركزى التحويلات إليها فى سنة 2013 بـ17،8 مليار دولار وفى سنة 2012 بـ19،1 مليار دولار مثلت 7 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى. هذه التحويلات عوّضت عن جزء من التباطؤ فى النشاط الاقتصادى وعن انخفاض إيرادات السياحة فى السنوات الأخيرة، وكانت سندا لميزان المدفوعات، وهى وحدها كافية للإشادة بالمهاجرين المصريين العاملين بصفة مؤقتة فى الخارج أو المقيمين بشكل أكثر ديمومة فيه.
•••
غير أنه لا يغيب عن المتابع أن اختيار يوم الثامن عشر من ديسمبر للاحتفال باليوم الدولى للمهاجرين يرجع إلى أنه اليوم الذى اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سنة 1990 الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. هذه الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ فى سنة 2003 وهى تذكرة بأن العمال المهاجرين فى حاجة إلى الحماية، من قبل دولهم الأصلية، ومن قبل دول الاستقبال، ومن قواعد عمل النظام الدولى نفسه. الدولة هى الوحدة الأساسية فى النظام الدولى، والدولة ترتب لمواطنيها حقوقا لا يتمتع بها الأجنبى، ولذلك فإن الأجنبى دائما فى وضع دقيق. صحيح أن قوانين العمل فى كل مكان تقريبا لا تميز بين المواطن والأجنبى فى موقع العمل، وهذا جانب من جوانب المساواة وعدم التمييز، وهو من السمات الأساسية والتقدمية للقوانين المنظمة للعمل ولحقوق الإنسان فى العصر الحديث. غير أنه يبقى تطبيق هذه القوانين، من جانب، كما يبقى أن ثمة قوانين أخرى تؤثر على الممارسة الفعلية للمساواة وعدم التمييز بين المواطنين، من جانب، والمهاجرين، من جانب آخر. لم تنضم أى من دول الاستقبال الأساسية فى الشمال، أو فى الخليج، أو فيما عداه من دول آسيا، إلى الاتفاقية الدولية. الاعتراف بشرعية أحكام الاتفاقية وتطبيقها هما بمثابة تطويع للنظام الدولى مع واقع العالم التى يتعايش فى داخل كل دولة من دوله المواطنون والمهاجرون، يعيشون نفس ظروف الحياة، ويمارسون العمل جنبا إلى جنب، ويثرون بعضهم بعضا بثقافاتهم المختلفة.
•••
مصر أولى الدول المصدقة على الاتفاقية الدولية فى سنة 1993. لها أن تفخر بذلك، ولكن عليها أن تكثف جهودها لحماية مهاجريها النشطين فى الخارج. وعليها أيضا أن تضاعف جهودها لحماية الأجانب الذين هاجروا إليها، فحماية مواطنيها المغتربين هى من حماية الأجانب الذين استجاروا بها اقتصاديا وسياسيا.