مستقبل التنافس الصينى ــ الأمريكى فى أمريكا اللاتينية
مواقع عربية
آخر تحديث:
الإثنين 21 ديسمبر 2020 - 7:50 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة صدفة محمد، تعرض فيه رؤية بايدن تجاه دول أمريكا اللاتينية، إلا أنها تعتقد أن التنافس الصينى ــ الأمريكى هناك لن يقل بشكل كبير نظرا لوجود روابط اقتصادية قوية تجمع بين الصين ودول أمريكا اللاتينية... نعرض منه ما يلى.
يستعد الرئيس الأمريكى المنتخب «جو بايدن» لدخول البيت الأبيض فى 20 يناير 2021، وقد تعهد باستعادة دور واشنطن كزعيم عالمى بعد 4 سنوات من سياسة «أمريكا أولًا»، التى تبناها الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته «دونالد ترامب». ومن المُرجح أن تحظى منطقة أمريكا اللاتينية باهتمام خاص من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة، ولا يعود هذا إلى قربها الجغرافى من الولايات المتحدة وأهميتها الاستراتيجية المحورية لواشنطن فحسب، بل إن هذا يرتبط أيضًا بتنامى النفوذ الصينى فى أمريكا اللاتينية، فى مقابل تراجع نفوذ الولايات المتحدة، والذى يعتبره «بايدن» بمثابة «تهديد للأمن القومى الأمريكى»، يستتبع اتخاذ الخطوات اللازمة من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة فى عام 2021 للتصدى للحضور الصينى المتزايد فى أمريكا اللاتينية.
تنافس أمريكى ــ صيني
مثَّلت فترة إدارة «ترامب» واحدة من أكثر الفترات التى شهدت تزايد حدة التنافس الأمريكى الصينى فى أمريكا اللاتينية، وهو ما يعود إلى عدة عوامل:
1ــ تنامى نفوذ بكين: شهدت السنوات الأخيرة تزايد نفوذ الصين وحضورها فى منطقة أمريكا اللاتينية؛ حيث استفادت بكين من إهمال الولايات المتحدة لأمريكا اللاتينية. وركزت الصين على تعزيز الشراكات الاقتصادية الشاملة والاستراتيجية، وكذلك اتفاقيات التجارة الحرة، من خلال إقامة علاقات ثنائية قوية مع دول أمريكا اللاتينية.
ومنذ عام 2018، رسخت بكين تفوقها على الولايات المتحدة كأكبر شريك تجارى لأمريكا اللاتينية، وذلك باستثناء المكسيك. وبلغ حجم التبادل التجارى للصين مع المنطقة عام 2019، أكثر من 223 مليار دولار، مقابل تجارة الولايات المتحدة البالغة 198 مليار دولار.
وعملت الصين على ملء الفراغ الذى تركته الولايات المتحدة فيما يعرف بـ«حديقتها الخلفية» خلال فترة إدارة «ترامب»، من خلال ضخ الاستثمارات فى مشروعات الطاقة والمزارع الشمسية والسدود والموانئ وخطوط السكك الحديدية والطرق السريعة، إلى جانب تقديم القروض منخفضة الفائدة. وساهمت القروض والمساعدات الصينية لدول المنطقة فى توفير السيولة المالية لها، والتى تزايدت الحاجة إليها فى ظل جائحة كوفيدــ19.
وانتهزت الصين أزمة فيروس كورونا لتعميق العلاقات عبر أمريكا اللاتينية، من خلال إرسال الإمدادات الطبية بما فى ذلك أجهزة التنفس الصناعى والأقنعة لمكافحة الوباء، وهو الأمر الذى كان له مردود إيجابى على دعم بعض دول المنطقة للمواقف الصينية، ومنها تحويل بنما والسلفادور وجمهورية الدومينكان اعترافهم الدبلوماسى من تايوان إلى الصين.
2ــالسياسات الأمريكية: كان للسياسات الأمريكية فى أمريكا اللاتينية فى عهد «ترامب» تأثير مزدوج، فمن ناحية أولى أدى تبنى «ترامب» خطابًا مناهضًا للمهاجرين من دول المنطقة، وقيامه بفرض العقوبات الاقتصادية والتلويح بالتدخل العسكرى فى بعض دولها، إلى جانب تعليقه تقديم المساعدات الاقتصادية الأمريكية لبعض دول المنطقة، والتهديد بفرض رسوم جمركية على صادرات بعضها؛ إلى انحياز عدد من الدول اللاتينية إلى الجانب الصينى، الذى وجدت فيه مساعدًا لها فى أوقات الأزمات.
من ناحية ثانية، ساهم الخطاب الذى تبنته إدارة «ترامب» فى تأجيج حدة التنافس مع الصين؛ إذ نظر كبار المسئولين الأمريكيين إلى بكين باعتبارها القوة المنافسة لها فى نصف الكرة الغربى، وعارضت واشنطن المشاركة الصينية فى أمريكا اللاتينية. وهيمنت الاتهامات لبكين بالمسئولية عن دعم النظم غير الديمقراطية فى المنطقة على خطابات كبار مسئولى الإدارة الأمريكية. وغلب وصف المسئولين الأمريكيين للاستثمارات الصينية فى المنطقة بأنها «فاسدة«، وأن الصينيين جاءوا إلى القارة حاملين «أكياس نقود ووعودًا كاذبة».
واستخدمت الولايات المتحدة أيضًا نفوذها لتحدى شركات التكنولوجيا الصينية فى أمريكا اللاتينية، وفى يونيو 2020، ناقش «ترامب» خلال محادثاته مع الرئيس البرازيلى «جايير بولسونارو» تمويل شراء تقنية 5G من شركتى الاتصالات الأوروبيتين Nokia وEricsson، بدلًا من شركة Huawei الصينية، التى قامت بالفعل بتركيب نظام 4G فى البلاد.
3ــالتوجهات اللاتينية: انحازت بعض الدول اللاتينية إلى الجانب الصينى، فى حين أيدت دول أخرى الموقف الأمريكى، بينما عملت مجموعة ثالثة من الدول على الاستفادة من التنافس الأمريكى الصينى.
كانت كل من فنزويلا وكوبا ونيكاراجوا من بين الدول التى وطدت علاقتها بالصين، وكان ذلك بسبب التقارب فى الرؤى بين هذه الدول فيما يتعلق بمناهضة الدور الأمريكى فى أمريكا اللاتينية، إلى جانب الدعم القوى الذى قدمته الصين لهذه الدول، والذى كان بمثابة شريان حياة لهذه النظم، وساعدها على البقاء بالرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
أما البرازيل وكولومبيا والمكسيك فكانت من أكثر الدول تأييدًا للمواقف الأمريكية فى المنطقة، وكان ذلك بسبب التقارب بين رؤساء الدول الثلاث والرئيس «ترامب» من ناحية، والتوافق فى المواقف الخاصة بفنزويلا وكوبا و«حزب الله» وغيرها من ناحية أخرى.
فى حين كانت الأرجنتين والبرازيل من أكثر دول القارة اللاتينية استفادة من التنافس الأمريكى الصينى، ومن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين؛ حيث زادت صادراتهما من المنتجات الزراعية إلى الصين، إلى حد كبير، لأن الصين أصبحت تستورد كميات أقل من فول الصويا من الولايات المتحدة. كما أطلق البعض على المكسيك لقب «الفائز فى الحرب التجارية»؛ حيث انتقلت شركات التصنيع الصينية والأمريكية إلى شمال المكسيك للتحايل على التعريفات الجمركية، وتسهيل الوصول إلى السوق الأمريكية.
جدير بالذكر أن الضغوط الأمريكية على بلدان أمريكا اللاتينية لمنعها من التعاون مع بكين لم تؤتِ ثمارها؛ إذ استمر معظمها فى التعاون مع الصين، حتى الدول التى ارتبطت بعلاقات قوية مع «ترامب«، وفى مقدمتها البرازيل.
سباق النفوذ 2021
من غير المُرجح أن تتراجع وتيرة التنافس الأمريكى الصينى فى أمريكا اللاتينية خلال فترة «بايدن» عما كانت عليه خلال فترة «ترامب»، وإن كان يمكن أن تتخذ عملية إدارة هذا التنافس أشكالًا مختلفة، ويتم الاعتماد فيها على أدوات مغايرة خلال فترة «بايدن» مقارنة بـ«ترامب»، وذلك للأسباب التالية:
1ــ موقف «بايدن» من بكين: نظرت إدارة «ترامب» إلى الصين باعتبارها منافسًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، وحظى هذا الموقف بدعم الحزبين الديمقراطى والجمهورى اللذين يتخذان أجندة مناهضة للصين. وفى ظل تأكيد «بايدن» على التزامه باستعادة القيادة الأمريكية للعالم، فإنه من المرتقب أن يزداد التنافس بين البلدين على النفوذ والتأثير فى أمريكا اللاتينية. ومن المتوقع أن يُحافظ «بايدن» على سياسة الرئيس «ترامب« المتشددة تجاه بكين، خاصة فى القارة الجنوبية للولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن يستمر «بايدن» بنفس تكتيكات الضغط المتبعة من قبل «ترامب«، لكنه ربما سيكون أكثر دبلوماسية، خاصةً مع تشديد «بايدن» على الحاجة إلى العمل بصورة أوثق مع الحلفاء من أجل تشكيل جبهة موحدة أمام بكين.
2ــ توجهات أمريكية جديدة: يختلف خطاب «بايدن» بشكل ملحوظ عن خطاب إدارة «ترامب« بشأن الهجرة وسياسة المناخ فى العالم وفى أمريكا اللاتينية. لذا فإن السياسات التى ستتخذها الإدارة الأمريكية الجديدة فى عهد «بايدن» سوف تكون عاملًا مؤثرًا على طبيعة التنافس الأمريكى الصينى ومدى حدته.
من المُرجح أن تشجع رئاسة «بايدن» على إعادة انخراط الولايات المتحدة فى أمريكا اللاتينية، بعد سنوات من التراجع، ويعود ذلك إلى خبرة «بايدن» السابقة بأمريكا اللاتينية.
وعندما تستضيف الولايات المتحدة قمة الأمريكتين القادمة فى عام 2021، سيستغل «بايدن» هذه الفرصة لإعادة بناء روابط قوية مع نصف الكرة الغربى على أساس احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
ومن المتوقع أن يعلن «بايدن» عن أجندة دعم بحوالى 1 مليار دولار من المساعدات الإنسانية التى تركز على التنمية الاقتصادية والأمن ومكافحة الفساد وتعزيز سيادة القانون والمؤسسات لوقف الهجرة من المثلث الشمالى (غواتيمالا، والسلفادور، وهندوراس).
ومع ذلك، فإن «بايدن» بصفته مدافعًا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية العمال وجهود مكافحة الفساد والتغير المناخى، من المرجح أن يصطدم ببعض رؤساء دول أمريكا اللاتينية، الذى يتخذون مواقف مغايرة لتوجهات «بايدن»، وخططه الهادفة إلى تعزيز سياسة خارجية أمريكية قائمة على القيم.
3ــ مواقف الدول اللاتينية: ليس هناك شك فى أن الولايات المتحدة كانت وستبقى لفترة طويلة الشريك الأكبر للعديد من دول أمريكا اللاتينية، وفى مقدمتها المكسيك. لكن التقارب الجديد بين الصين وغيرها من الدول اللاتينية، سوف يكون محددًا مهمًا لمستقبل العلاقات اللاتينية مع الصين والولايات المتحدة من جهة، ومستقبل التنافس الأمريكى الصينى فى أمريكا اللاتينية من جهة أخرى، خاصة بسبب النمو الاقتصادى المتوقع فى الصين خلال العام المقبل.
وعلى الرغم من ضغوط واشنطن، لا يوجد مؤشر على حدوث تغيير كبير عندما سيصبح «بايدن» رئيسًا فى عام 2021، خاصة أن دول أمريكا اللاتينية تعلم أنها لا تستطيع الانفصال عن الصين بشكل كامل بسبب عمق الروابط الاقتصادية بين الطرفين، والتى ترسخت عبر السنوات الأخيرة؛ حيث أصبحت الصين هى الشريك التجارى الأكبر لتشيلى والبرازيل وبيرو وأوروجواى.
وفى ضوء ما سبق، يمكن القول إن عام 2021 سوف يشهد استمرار التنافس الأمريكى الصينى فى أمريكا اللاتينية، وستظل المنطقة ساحة مهمة للمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين. وبينما تستعد الولايات المتحدة لتغيير القيادة، فإن «بايدن» سيحافظ على الأرجح على سياسة مماثلة تجاه الصين مع تقدمها فى أمريكا اللاتينية.
النص الأصلى