وزارة الخارجية وأنواء السياسة
إبراهيم يسري
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 يناير 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
صدر قرار رئيس الجمهورية فى حدود سلطته بتعيين المستشار الجليل محمود مكى سفيرا بوزارة الخارجية وترشيحه سفيرا بالفاتيكان، والمعروف انه بطل تيار استقلال القضاء وانه تقلد عن جدارة ثانى منصب فى الدولة وكان أداؤه متميزا ومثمرا حاز احترام كل القوى والرموز السياسية.
•••
ويهمنا ان نستعرض بعض المعطيات التى قد تطرح تعقيبا على هذا القرار، ونشير بداية إلى أن هذا النهج ليس مستحدثا، ففى عدد من الدول تعيين السفراء من سلطات رئيس الدولة على أساس ان القانون الدولى ومعظم النظم الدستورية القانونية تعطى رؤساء الدول سلطة إدارة العلاقات الخارجية لبلده، وتطبق بعض الدول الديمقراطية قاعدة التعيين السياسى للسفراء political appointees من خارج السلك السياسى أما لعضويته فى الحزب أو لأدائه خدمات ودفع تبرعات للحملة الانتخابية للرئيس أو الحزب. ويراعى دائما ان يكون تعيين هؤلاء السفراء فى دول ليس لدولتهم معها مصالح جوهرية أو خلافات معقدة، وهذا ما تم بتعيين المستشار الجليل مكى فى الفاتيكان حيث لا يتطلب المنصب نشاطا كبيرا أو قدرات دبلوماسية حرفية. وكان من الممكن ان يحمل تعيين مسئول شغل منصبا سياسيا رفيعا سفيرا لدى دولة عظمى وهامة لمصر مثل الولايات المتحدة الامريكية أو بلجيكا، حيث مقر الجماعة الاوروبية، أو الصين أو حتى اثيوبيا اشارة واضحة باهتمام مصر بعلاقاتها مع تلك الدولة.
غير ان الأمر يستوجب استشراف تاريخ التعيينات الخارجية فى السلك الدبلوماسى المصرى، ففى العهد الملكى كان التعيين فى السلك السياسى يتطلب ان يكون الدبلوماسى المعين فى اى درجة من العائلة المالكة أو احدى العائلات العريقة والثرية، وكانت مهمة السفير الأساسية هى تعقب اخبار البلاط الملكى أو الرئاسى فى الدولة الأجنبية بما فيها العلاقات النسائية والصراعات العائلية وكانت التقارير ترفع للملك فى معظم الأحوال. وغالبا ما كان السفير ينفق على منصبه ولا يتكسب منه.
وبعد ثورة ١٩٥٢ كان لابد من تغيير الكثيرين من السفراء الذين لم يعودوا صالحين لممارسة دبلوماسية الثورة، ولم يكن أمام الرئيس عبدالناصر إلا تعيين ضباط القوات المسلحة كأهل الثقة فى مناصب السفراء والمستشارين فى السلك السياسى المصرى، وكان التعيين فى بعض الأحيان يتضمن نفيا مقنعا لشخصية عسكرية غير مرغوب فى وجودها بمصر، وقد انعكس هذا سلبا على الأداء الدبلوماسى للدولة وحرمان اجيال من الدبلوماسيين الجدد من تلقى الخبرات والتدريب على أداء الوظيفة التى تكتسب اساسا بالممارسة وليس بالدراسة فقط. ولكن أمكن الإقلال من أضرار هذه السلبيات لأن الرئيس عبدالناصر كان يمارس دبلوماسية الاتصال المباشر بالملوك والرؤساء بحيث تقل الحاجة إلى جهود السفراء، غير ان الأمر لم يخل من تجاوزات جسيمة إدارية ومالية ودبلوماسية فى عدد من البعثات الدبلوماسية، وللحق فان بعض كبار الضباط قد مارس الدبلوماسية بكفاءة وتميز بما يعادل أو يفوق الدبلوماسى المحترف.
وقد انحسر التيار العسكرى عن السلك الدبلوماسى نسبيا فى عهد الرئيس السادات وامتنع تقريبا فى عهد مبارك الذى كان يكتفى عادة بتعيين لواء واحد فى العام غالبا ما يكون قائدا للقوات الجوية.
•••
غير ان تعيين المستشار الجليل محمود مكى بمنصب سفير فى كيان دولة تبسط سلطاتها المحدودة على احد احياء روما، وفى وجود سفير احدث من سيادته يتولى مسئولية العلاقات الهامة مع ايطاليا، يثير مخاوف الدبلوماسيين من عودة المد الرئاسى والسياسى على مناصب السفراء، كما انه فضلا عن انه مثير للجدل فانه يتضمن استثناء واضحا من حيث سن تقاعد السفراء وهو ستون عاما بينما يصل الى٧٢ فى القضاء، كما انه يرفع إمكانية قيام وزير الخارجية فى ممارسة اختصاصه كمسئول عن توجيه مثل هؤلاء السفراء.
ولعل أكثر ما يلاحظ على هذا القرار هو ان توقيته مثير للجدل فى الوقت الذى يستعر فيه الصراع السياسى وتتلاطم أمواج العصيان داخل الأسرة القضائية وربما كان من الأفضل تأجيله لما بعد الانتخابات واستقرار الأمور، وهناك كثير من المناصب الرفيعة فى الدولة التى يمكن ان تستفيد منها البلاد بخبرة ونزاهة وذكاء المستشار الجليل أكثر من اى منصب دبلوماسى، وأخيرا لا بد من طمأنة مخاوف أعضاء السلك الدبلوماسى المصرى من تكرار هذه التعيينات، ثم نتساءل كيف سنخاطبه مستشارا أم سفيرا، وفى كل الأحوال لابد من التعبير عن الاحترام الشديد للمستشار الجليل ولعل هذا التعيين يكون الأول والأخير، وكل آمالنا معلقة على اجتياز مسيرتنا الديمقراطية واستكمال أجهزة الدولة بقيادة الرئيس من خلال الآليات الديمقراطية وليس بالحشد فى الميادين أو التجاوز على الرئاسة فى الفضائيات ووسائل الاعلام حتى ننطلق فى مسيرة التنمية والتقدم.
محام ومحكم دولى