نحتفل بعيد الصحوة الوطنية

إبراهيم عوض
إبراهيم عوض

آخر تحديث: الثلاثاء 22 يناير 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

تختلف الأحزاب والقوى السياسية المصرية هل ينبغى الاحتفال بالعيد الثانى لاندلاع أحداث الثورة المصرية فى 25 يناير 2011، أم الحسرة على ما آلت إليه أحوال البلاد التى تطلع ثوارها إلى الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، فجنوا فرقة، وارتباكا، ومزيدا من الحرمان. ومع ذلك فالأحزاب والقوى جلُها متفقة على النزول إلى الشوارع والميادين، بعض هذه القوى يبغى التنديد بمجمل الوضع السياسى والتأكيد على شعارات الثورة والمطالبة بتحقيقها، والبعض الآخر ينشد الاحتفال بتحقق ما يعتبرونه أهم أهدافها، وهو إرساء أسس النظام السياسى الجديد، باعتماد الدستور فى ديسمبر 2012. كلا الفريقين يجانبهما الصواب، فالاحتفال فى هذا اليوم، وليس الحسرة، واجب إلا أنه ليس احتفالا للاسباب التى تبرر دعوة الفريق الثانى إليه.

 

•••

 

فى 25 يناير 2011، انعتق المصريون من الخوف. منذ ذلك اليوم عرفت أقدامهم الطريق إلى الشوارع والميادين، ورجعت هذه الشوارع والميادين فضاء عاما مشتركا يمارس فيه المواطنون حقوقهم فى التجمع والتنظيم والتعبير. استرجع المصريون ملكيتهم الفعلية للفضاء العام ولم يصبح بوسع الدولة أن تحرمهم منه، حتى وإن حاولت ذلك. يبقى أنه على الدولة، لكى تفرض على الآخرين احترامها كدولة، أن تنظم استخدام الفضاء العام حتى لايستخدمه بعض المواطنين للاعتداء على سلامة مواطنين آخرين وعلى حرياتهم.

 

ومنذ يناير 2011، اكتسب المصريون الحق فى أن ينتظموا فى أحزاب سياسية سواء كانت هذه الأحزاب معترفا بها قانونا أو كانت موجودة كأمر واقع. أحزاب غير قليلة تعقد الاجتماعات وتحشد الجماهير وتسير المظاهرات علنا دون أن تكون مسجلة قانونا لأنها لا تستوفى الشروط التى يحددها القانون لتسجيل الأحزاب. ومع ذلك لاتجرؤ الدولة على توقيف أعضاء هذه الأحزاب. المهم هو أن هؤلاء الأعضاء يمارسون فى تشكيلاتهم جوهر كثير من وظائف الأحزاب السياسية. الأمر نفسه ينطبق على النقابات العمالية. النقابات المستقلة والديمقراطية موجودة ونشطة، حتى وإن ماطلت الدولة فى الاعتراف بشرعيتها. ليس هذا انتقاصا من أهمية أن يتغير القانون وأن يعترف بالواقع، خاصة إن كان مشروعا، وإنما هو تسجيل للمكتسبات التى حققها المصريون بنضالهم، وبإصرارهم، وبعزيمتهم.

 

ومنذ يناير 2011، مارس المصريون حقهم فى حرية التعبير، واستخدموا وسائط الاتصال القديمة والحديثة كما لم يستخدموها من قبل. كانت مساحة حرية التعبير متسعة تماما فى الشهرين التاليين لسقوط الرئيس السابق، وهى وإن كانت قد انحسرت بعد ذلك فإنها ما زالت معتبرة الاتساع. أصدر المصريون الصحف وأنشأوا القنوات التلفزيونية بأعداد لا سابقة عليها، ومارسوا فيها النقد بكل أنواعه. سلطة الحكم ليست مرتاحة لوسائط الاتصال هذه، خاصة القنوات التليفزيونية من بينها، ولكنها لاتقوى على اتخاذ قرارات بشأنها. السلطة تعلم أن البطش بحرية التعبير ثمنه السياسى غال، فضلا على أنه غير مجد فى عالم تتطور فيه كل يوم ثورة الاتصالات والمواصلات.

 

•••

 

على الرغم من الإحباط والغضب مما صار إليه الدستور الجديد ومن محاولات الاستيلاء على مؤسسات النظام السياسى والدولة، فإنه لا ينبغى للأحزاب والقوى المدنية أن تشعر بالقنوط. لقد تحقق الكثير وإن بقى الكثير أيضا ينبغى إنجازه.

 

فى المقابل، ينبغى ألا يكون تجمع قوى الإسلام السياسى احتفالا بالدستور وبمؤسسات النظام السياسى الجديد. الحقيقة هى أن الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة تحديدا، من بين هذه القوى، قد أضاعوا على أنفسهم فرصة ذهبية للاضطلاع بزعامة القوى الوطنية والنظام السياسى المصرى، وهى زعامة كانت لتؤمن لهم وضعا مميزا فى صدارة النظام السياسى لسنوات طويلة مقبلة. سجل الإخوان المسلمون فوزا بالأرقام فى الاستفتاء على الدستور، لكن الفوز الحقيقى فى إرساء الأنظمة السياسية لايحسب بالأرقام. الفوز بالأرقام يعرض الأنظمة السياسية للانكسار لأن الأرقام تروح وتجيْ، وهى إن لم تفعل، فإننا لا نكون بصدد نظام سياسى ديمقراطى جوهره تداول السلطة. واحتكار السلطة فاشل، سواء مارسه مبارك والمنتفعون به، أو الإخوان المسلمون، أو القوى المدنية نفسها.

 

التجمع فى الخامس والعشرين من يناير 2013 ينبغى أن يكون للاحتفال باكتشاف المصريين لقوتهم الجمعية، لإدراكهم بأن أفعال التمرد والمقاومة والثورة تؤتى ثمارها، وأن للقوة وللقمع حدودا تفقد بعدها كل أثر عليهم. والتجمع ينبغى أن يكون أيضا للاحتفاء بالشباب المصرى الذى أعاد، بتنظيمه وابتكاره ومبادرته، أعاد لمواطنيه جميعا، من أطفالهم حتى شيوخهم، رجالهم ونسائهم، الثقة بأنفسهم وبقدرتهم على الحركة وتقرير مستقبلهم. 

 

•••

 

نعم، يوجد الكثير الذى لابد من الأسف عليه. وقعت صدامات وسقط المئات من الشباب منذ فبراير 2011، والتأزم فى الساحة السياسية حاد والمواجهة محتدمة، وأساسات النظام السياسى مهتزة وكفاءته ضعيفة. الأيام المقبلة كثيرة لابد لكل القوى السياسية والاجتماعية أن تتصدى خلالها بكل قوة وعزم، لآفات نظامنا السياسى، القديم منها والمستحدث. أما اليوم فهو يوم احتفال بالتحرر من الخوف وبالقدرة على الفعل.

 

ولنفس هذه الأسباب ينبغى للإخوان المسلمين أن يشاركوا فى الاحتفال بذكرى الخامس والعشرين من يناير، وليس لأنهم، باعتماد الدستور، أيا كانت ظروف هذا الاعتماد، قد توصلوا إلى ما يعتقدون أنه سيحقق لهم أهدافهم السياسية.

 

إن السياسية والفكر يتسمان بالجدلية. ولعل ذلك يتبدى فى أجلى صوره فى تكوين جبهة الإنقاذ الوطنى وفى الخطاب السياسى والأفكار المتناثرة حولها. فى الجبهة يتجمع خصوم تاريخيون ألداء، وتتجاور أفكار كان صعبا تصوُر تجاورها، وترفع صور وتتردد أسماء لزعماء كان التنافر يفرقهم. الليبراليون، ومن بينهم الوفد، والناصريون، واليسار، يجتمعون على الدفاع عن مشترك وطنى واحد، وعن حداثة يعوَل عليها، بعد تصحيح مسارها، للنهوض بالمصريين وبوطنهم. سعد زغلول، ومصطفى النحاس، وجمال عبدالناصر تتردد أسماؤهم ويستعاد تاريخهم الوطنى. سعد زغلول يذكر عندما يذكرالكفاح الصلب من أجل الاستقلال. ومصطفى النحاس، الذى أعاد 25 يناير الاعتبار إلى اسمه، يذكر عندما يذكر الدفاع عن دستور الدولة الحديثة، مكافحة الاستعمار، والإخاء بين المصريين والمساواة بينهم، وجمال عبدالناصر يذكر عندما يذكر دحر الاستعمار، والعدالة الاجتماعية التى ترسَخت فى الثقافة السياسية المصرية حتى صارت من شعارات 25 يناير. الثورة والكفاح جمعت المتناقضات، وهى قادرة على اختزالها وتخطيها. كان الأمل فى يناير وفبراير 2011 أن يشترك الإخوان المسلمون فى تشكيل هذا التكوين الوطنى الواحد، وهو أمل لابد أن يبقى حيا، حتى ولو صار لدى البعض بصيص.

 

•••

 

يتباكى البعض على الأمن الذى انهار، وعلى النظام العام الذى تصدَع، وعلى الاقتصاد الذى ركع، وعلى الانتخابات التى زورت، وعلى المساواة بين المصريين التى انكرت، وعلى المرأة التى أهينت، وعلى الدولة الحديثة التى ترنحت. هؤلاء هم غالبا أنصار الدولة المباركية والمتفعين بها. يجدر تذكير هؤلاء بأنه فى العهد المنقضى كان ثمن الأمن السطحى والنظام العام الخادع تعسفا وتسلطا وقمعا، وأن الاقتصاد بقى متخلفا يثرى القلة ويزيد الفقراء عددا وفقرا، وأن تزوير الانتخابات بلغ منتهاه فى 2010، وأن الدولة سكتت على الاعتداء على طائفة من أبنائها وعلى التمييز ضدهم، وأنه بعيدا عن قشرة برَاقة انحطَ قدر المرأة، وأن هذا كله فضلا على الخواء الفكرى، ومشروع التوريث، والظلم الاجتماعى، والمحسوبية، والفساد، وانعدام الكفاءة، والتغافل عن التطرف إن لم يكن سياسيا، وانحسار الأدوار الاجتماعية والتنويرية للدولة، هذا كله كان سوسا نخر فى أسس الدولة الحديثة وقوَضها. حسنا يفعل هؤلاء بعدم الانضمام إلى المحتفلين.

 

فى الخامس والعشرين من يناير من هذا العام، نحتفل بعيد الصحوة الوطنية، الصحوة التى لن ينام المصريون سياسيا بعدها.

 

 

 

أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved