استغاثة من سيناء
بلال فضل
آخر تحديث:
الأربعاء 22 يناير 2014 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
ما الذى يحدث فى سيناء بالضبط؟، وهل هناك حقا خطة متكاملة لمكافحة الإرهاب فيها أم أن السياسات المتبعة تزيد طين الإرهاب بلّة؟، وهل يدرك المسئولون أن تضحيات الضباط والجنود التى نقدرها ونجلها تتطلب من الحكومة اتخاذ سياسات واعية لا تعقد الأمور ولا تسقط المزيد من الضحايا؟، ستواجهك هذه الأسئلة وأنت تقرأ ما يُنشر على الإنترنت عن أوضاع سيناء فى ظل تغطية إعلامية أحادية «التون» تزيد الريبة والشك.
اليوم أنشر رسالة جاءتنى من الناشط السيناوى حسين عبدالمجيد، أتمنى أن تجد مسئولا يرد عليها أو حتى ينظر إلى ما فيها باهتمام بعيدا عن سياسة «كله تمام يا فندم».
جاء فى الرسالة: «أتحدث بلسان مواطن غير مُحزّب ولا مؤدلج كفر بكل الساسة، يكتب ما يراه رأى العين من انتهاكات لحقوق بشر يُلقبون بحراس بوابة مصر الشرقية، لأقول أننا بعد 30 يونيو وعلى عكس ما كان يتمناه أهل سيناء، انتقلنا من حقبة الإهمال الجماعى إلى حقبة النبذ الجماعى، فبعد أن كنا بفضل مرسى ومن قبله مبارك مجرد «مشتبه فيهم» أصبحنا الآن جناة مع سبق الإصرار والتنصت، ليبقى لسان حالنا أبياتا لشاعر محلى تقول عن سيناء: «كانت صحراء وستبقى يكفيها ماء الرب»، للأسف تربينا على هذه الأبيات ورددها قبلنا آباؤنا وآباؤهم، لأنها تعبر عن قناعة جماعية بعدم جدوى التغيير فى محافظة دفعت ضريبة الدم ألف مرة ولا تزال تدفع.
لم تعد مشكلتنا الآن فقط هى تلك الصور المغلوطة التى يروج لها الإعلام عن أهل سيناء، ولا أننا انتقلنا بفضل الإعلام من كوننا مهربين وتجار مخدرات إلى إرهابيين وتجار سلاح، فحتى الأكاذيب والمغالطات يمكن تحملها، لكن ما لا يمكن تحمله هو استمرار حالنا فى التدهور بعد كل الطنطنة عن تنمية سيناء بعد 30 يونيو، فمشروع ترعة السلام الذى يهدف لنقل مياه النيل إلى أراضى سيناء لتوطين 5 ملايين مواطن لا أثر له حتى الآن، وقطار سيناء الذى وصل إلى مدينة بئر العبد توقف العمل فيه بفعل فاعل وتمت سرقة قضبانه، وما أعلن عنه بعد ثورة 30 يونيو من استثمارات تقدر بأربعة مليارات جنيه لا يرى أحد نتائج لها على أرض الواقع ولا ما هى آليات صرفها وتنفيذها أو مراقبتها وكلما سألنا عن ذلك وجدنا صمتا يتفوق على صمت الرئيس المؤقت.
أما عن الأجهزة التى يفترض بها أن تعمل فى التنمية المزعومة فهناك جهاز تعمير سيناء الذى يعمل من الإسماعيلية دون أثر ملموس له على الأرض، وهناك جهاز تنمية سيناء الذى يقع مقره الرئيسى بالقاهرة بشارع الطيران، ولا يعرف أحد هل هو جهاز تنفيذى أم رقابى، ولا يعرف أحد الفارق بينه وبين سابقه، وهل يستدعى الفارق اللغوى بين كلمتى التنمية والتعمير إنشاء جهاز مستقل لكل منهما؟، من المهم هنا أن نذكر أنه عند زيارة الرئيس السابق مرسى لسيناء وحين تمت الشكوى من الجهاز وعدم وجود أثر له على الواقع، قال قولته المهلبية المشهورة على مرأى ومسمع من الجميع أن رئيس الجهاز من مؤسسة وطنية ولا نريد أن نصطدم معها، لذلك من الممكن أن نضيف إلى الجهاز لا أن نعيد هيكلته، وبالطبع لم يضف أحد إلى الجهاز لا قبل رحيل مرسى ولا بعده.
للأسف ما تمت إضافته إلى الواقع السيناوى من مكتسبات بعد ثورة 30 يونيو هو انقطاع شبكات المحمول والإنترنت يوميا منذ أكثر من 92 يوما بمتوسط 12 ساعة يوميا، وإغلاق شريان الحياة المتمثل فى كوبرى السلام وهو ما يترتب عليه تكدس بمعديات الرسو من وإلى القنطرة شرق وغرب بالساعات والأيام، وزيادة سعر النقل الذى أدى إلى ارتفاع فى أسعار السلع الغذائية، والتضييق على التجار وحركة النقل بحجة أنه من الممكن أن تكون السلع ذاهبة إلى قطاع غزة بالرغم من الإعلان عن إغلاق 90 فى المائة من الأنفاق.
يوما بعد يوم يزداد تكريس عزلة سيناء عن باقى محافظات القناة، للعلم حتى المعديات تقفل عند الساعة السابعة مساء لينتهى التحرك من وإلى داخل المحافظة، دون مراعاة حتى لمن تجبره ظروفه على التأخر وبصحبته أسر وأطفال، مما يجبر كل من يرغب فى التحرك بأن يقوم بالتبكير لعدة ساعات لكى لا يداهمه الوقت ويضطر للبيات فى الكمين، وبالطبع ليس من حق أحد أن يشكو لأنه سيسمع فى أحسن الأحوال عبارة «معلهش احنا فى ظروف غير طبيعية» وهى العبارة التى أسمعها من أول ما اتولدت، وهى نفس العبارة التى تبرر كل ما يحدث من اعتقالات بالجملة بعضها يحدث بسبب وشايات من ضعاف النفوس، وهى طبعا وشايات يتم تصديقها على الفور لأنك إذا كنت سيناويا فأنت مدان حتى يثبت العكس، ولذلك ليس من حقك أن تعترض أو تتحفظ على وجود أكمنة لا حصر لها داخل أى تمركز سكنى، وحظر تجوال إضافى فى الرابعة عصرا فى المدن الحدودية فى الشيخ زويد ورفح، حوادث ضرب نار احترازى وأحيانا استباقى، توقف أى أعمال إنشاء أو تطوير أو حتى ترميم لأى منشأة بحجة عدم توافر ميزانيات حالية، عودة التعسف الأمنى لكى يصبح ملموسا ويذكر الناس بالرصيد السلبى لأجهزة الأمن قبل الثورة وهو الرصيد الذى تسبب فى تعقيد الأمور وليس فى حلها.
وفى حين لا يردد الإعلام إلا أكاذيب قيام أهالى سيناء ببيع أراضيهم للأجانب مع أننا لا نمتلك أرضنا أصلا بمسوغ تمليك يمكننا من البيع، لا يمكن أن ينقل مثلا شكوى الناس الناتجة عن الحرب الدائرة هناك، وبالطبع فى ظل كل هذا يتم تخويف المواطن السيناوى من أى مظهر احتجاج لكى لا يتم قمعه ووصمه بالأخونة، وكل من يتحدث عن التنمية يقال له أن سيناء قدرها الآن أن تكون ساحة حرب على الإرهاب كأن ذلك يتعارض مع مسار التنمية.
بالطبع، لن يكفر أهل سيناء بمواطنتهم وبوطنهم، لكنهم سيظلون يطالبون بأدنى حقوق المواطنة ودعائهم: اللهم عليك توكلنا وعليك أنبنا وعليك بالظالمين وأرنا فى سيناء يوم تنمية وساعة حرية قبل القنوط».