ثورة يناير تدخل عامها الخامس.. المسكوت عنه فى أربعة أعوام!
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
الخميس 22 يناير 2015 - 8:10 ص
بتوقيت القاهرة
مرت أربعة أعوام على اندلاع مظاهرات ميدان التحرير التى عبرت عن تراكم عوامل الغضب والإحباط واليأس لدى الكثير من شباب الطبقات المتوسطة بدرجاتها المتفاوتة مدفوعة بثورة الشعب التونسى الذى كان قد أسقط بن على الذى هرب قبل أيام من ثلاثاء الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ وهو أول أيام التظاهرات المصرية التى سرعان ما تحولت إلى ثورة حقيقية بعد انضمام العديد من التيارات والفئات المجتمعية إلى اعتصام ميدان التحرير وباقى ميادين الجمهورية حتى تم إجبار مبارك على التنحى فى الخطاب الشهير الذى تلاه نائب الرئيس آنذاك عمر سليمان بعد ثمانية عشر يوما لتبدأ احتفالات صاخبة وتوقعات لا محدودة تلتها إحباطات رهيبة مازلنا نعيش فيها حتى اللحظة. فى السطور القليلة القادمة أقدم ما أعتبره مسكوتا عنه فى تقييم الثورة المصرية عبر سنواتها الأربع الفائتة:
أول المسكوت عنه، إن الثورة لم تكن شعبية بالمعنى الحرفى للكلمة، ولكنها كانت ذات زخم شعبى، والفرق بين الاثنين كبير، فالثورات الشعبية يشارك فيها الغالبية العظمى من أبناء الشعب، بينما تلك ذات الزخم الشعبى فيشارك فيها طلائع تيارات سياسية وطبقات اجتماعية متعددة بشكل عرضى يجبر باقى الشعب على تأييد الأمر الواقع بل والاحتفاء لاحقا بتحقيقه. هذا ما حدث مع الثورة المصرية، فمن قام بها طلائع تيارات سياسية وطبقات اجتماعية متعددة ولكنها لاقت تحفظا شديدا من باقى الشعب الذى إما عارضها صراحة أو تحفظ عليها، ولكنه احتفل مع المحتفلين لأنه بدا فى الأفق أن أمرا واقعا جديدا قد تغير، ولما عجزت القوى الثورية عن إحداث التغيير المطلوب فما لبثت هذه الفئات الشعبية المتعددة إلا وأن انقلبت على الثورة.
•••
ثانى المسكوت عنه، إنه بينما كانت هناك أجواء ثورية على مدار العام الأول من عمر الثورة وتحديدا حتى لحظة انتخابات مجلس الشعب بعدها بعام تقريبا فإنه لم يكن ثمة فاعلون ثوريون لديهم رؤية وقدرة حقيقية على التغيير الجذرى الشامل، يتساوى فى ذلك الإسلاميين مع العلمانيين والليبراليين مع اليساريين، كل هؤلاء الفاعلين كانت لديهم رؤى محدودة وإمكانات ضعيفة لإحداث تغيير جذرى فى المشهد، ذهب الجميع بحثا عن الصفقات هنا وهناك للحصول على قطعة من كعكة الحكم لا من ثورة التغيير الجذرى، تبقى بعض التيارات المتشرذمة هنا أو هناك مما امتلكوا الرؤية الثورية، لكنهم فقدوا القدرة على طرح آليات لإحداث هذا التغيير الجذرى المنتظر متأثرين بحداثة عهدهم بالسياسة وبميلهم إلى التنظير غير الواقعى وبقلة أعدادهم فى النهاية.
•••
أما ثالث المسكوت عنه، فإنه وبينما انتشرت «تنظيرة الدولة العميقة» فى إشارة إلى أجهزة سيادية تدير المشهد من خلف الستار وتقف فى طريق الثورة، فإن الفاعلين الرئيسيين فى المشهد الذى بدا ثوريا والذين ادعوا الثورية دوما هم أول من تحالفوا مع هذه الأجهزة العميقة إما بحثا عن المكاسب السريعة أو المضمونة أو عجزا عن طرح البدائل وقيادة الدولة دون التعاون مع هذه الأجهزة، صحيح أن كل التيارات السياسية الرئيسية فى المشهد نسقت بدرجات متفاوتة مع هذه الأجهزة إما خوفا أو عجزا أو انتهازية، إلا أن التيارات الإسلامية وفى مقدمتها تيار الإخوان المسلمين كان صاحب نصيب الأسد من هذا التنسيق بل والتخطيط لإجهاض الثورة وتحويلها إلى احتفالية كبرى صاخبة خالية من المضامين، اللهم إلا مضمون تسليم هادئ للسلطة من الحزب الوطنى للجماعة وحزبها الوليد.
•••
رابع المسكوت عنه فى الأربع سنوات الفائتة، هو إنه صحيح تماما أن تيارات الإسلام السياسى تتحمل المسئولية الكبرى عن إجهاض الثورة، إلا أن المسكوت عن الأدوار الانتهازية التى لعبتها الأطراف الأخرى وخصوصا هؤلاء المنعوتون زورا وبهتانا بالمدنيين والليبراليين يقلل من عمق تحليل المشهد. فتلك التيارات كانت ولاتزال سلطوية بامتياز.. سلطوية ثقافة وحركة وتنظيما وسياسة، لا تستطيع أن تنفك عن السلطة ولا تلعب سوى مع القوى، ترفع من شعارات المدنية وحقوق الإنسان كوسيلة للحصول على الوجاهة الاجتماعية والسلطوية، بينما هى فى حقيقة الأمر قوى رجعية لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالتعددية ولا بقيم حقوق الإنسان، فقط قلة هى من عبرت عن هذه القيم ودفعت كثيرا جراء مواقفها الثابتة هذه وهؤلاء فقط من يمكن وصفهم فى مصر بالليبراليين أو المدنيين، ولكنهم مرة أخرى قلة مازالت تبحث ونبحث معها عن النضوج.
•••
خامسا، اكتشفنا عبر سنوات الثورة الأربع أن الديمقراطية ليست صناديق فقط، ولكنها أيضا قيم، منها قيمة حقوق الإنسان أيا كانت توجهات وخلفيات وأفكار هذا الإنسان، ومنها قيمة التعددية، ومنها قيمة انفاذ القانون... إلخ، لم يفهم الإخوان من الديمقراطية سوى الصندوق، وفى المقابل معظم من ثار عليهم بحجة عدم كفاية الصندوق كفهم وحيد للديمقراطية لم يطبقوا من الأخيرة شيئا بعد أن تمكنوا (أو توهموا كذلك) بعد يونيو ٢٠١٣، فلا هم طبقوا المعنى الأعمق لمفهوم «نزاهة الصناديق» ولا عملوا على إنفاذ القانون أو الدستور، فضلا عن إنهم تورطوا فى فاشية مخجلة ومارسوا الإقصاء على مخالفيهم فى أكثر صور الإقصاء شمولية وسلطوية.
•••
سادسا، مازال الجميع يسأل ماذا حدث فى يونيو ٢٠١٣ وهل هو ثورة أو انقلاب؟ والمسكوت عنه هنا ربما يبدو للبعض مؤلما، هى ثورة، بل وشعبية، ولكنها ثورة مضادة لم تقم فقط كرد فعل على الإحباط من طريقة حكم الإخوان، ولكنها أيضا عبرت عن توجه شعبى جديد يريد رد الكرة إلى ملعب الدولة ورجالها، بعد أن فشل الفاعلون المعبرون عن ثورة يناير فى إحداث أى تغيرات حقيقية فى حياة الناس. بعيدا عن السجع أو البحث عن المصطلحات الرنانة هى «ثورة انقلابية» وليس المقصود هنا «الانقلاب» الذى يلوكه الإخوان ومؤيدوهم للتغطية على فشلهم قبل ٣٠ يونيو، ولكنه يعبر عن ذلك الانقلاب الشعبى الذى عبر عن يأس الناس من فائدة ترتيبات ما بعد يناير ٢٠١١، انقلاب أول من قاده الإخوان ومناصروهم، ثم أتمته فئات شعبية متعددة بدعم من أجهزة الدولة للتخلص من أول الانقلابيين (الإخوان). لنقل انه ومنذ ١٩ مارس ٢٠١١ فقد بدأت سلسلة انقلابات على الثورة وقيمها وشعاراتها، بدأت بانقلاب القوى الإسلامية وانتهت بانقلاب القوى المدنية بمباركة شعبية ثم استلمت الدولة الكرة فى النهاية!
•••
أما آخر المسكوت عنه، فهو البنى الكهنوتية فى مصر والتى عملت جميعا على هزيمة الثورة خوفا من سقوط الكهنوت وانكشافه أمام أعين الناس، فتحدث ثورات اجتماعية حقيقية تتبدل فيها مقاعد القيادة، هزمت الثورة بواسطة كل البنى الكهنوتية العميقة، الدولة، الأزهر، الكنيسة، الأحزاب التقليدية، جماعة الإخوان، الجهاز البيروقراطى ممثلا فى كل المصالح والدواوين الحكومية، كل هؤلاء انزعجوا بشدة من ثورة قد تطيح بمواقعهم وبنى سيطرتهم على الموارد والقيم والثروات، فنهضوا جميعا كل باستخدام كهنوته للانقضاض عليها.
•••
ليست هذه سطورا لجلد الثورة، وهو الفعل الذى يحلو لهؤلاء الذين طالما تغنوا بها وبشعارتها ثم تخلوا عنها بعد تعطلها، ولكنها كلمات لتحليل الواقع المؤلم لحال الثورة، بعيدا عن الإكليشيهات المحفوظة السطحية حول عدم بقاء الثوار فى الميادين أو عدم اتحاد القوى الثورية كأسباب محتملة لتعطل الثورة. الثورات ليست السبيل الوحيد للتغيير.. هذا صحيح، ولكن فى مصر تبدو الأمور محصورة بين احتمالية ثورة شاملة دموية عنيفة أو هجمات ارتدادية رجعية عنيفة نعيشها على كل المستويات. الإصلاح كان ولا يزال أملا كحل وسط بين السيناريوهين السالفين، لكن لا يبدو أن للإصلاح أنصارا كثر فى مصر، ولا تبدو أن البنى الكهنوتية التى اتحدت لهزيمة الثورة على دراية بأهمية هذا الإصلاح لأنه وحتى بمعايير انتهازية أنانية أنفع للجميع.. مصر تبدو حتى الآن فى طريقها لمصير محتوم.. الكل يعرف والكل يتظاهر بغير ذلك، لننتظر ونرى.