الحياة ــ لندن.. زيادة احتياطى النفط العراقى من 47 بليون برميل إلى 158 بليونا.. كيف ولماذا؟
صحافة عربية
آخر تحديث:
الثلاثاء 22 يناير 2019 - 1:40 ص
بتوقيت القاهرة
نشر الموقع الالكترونى لجريدة الحياة اللندنية مقالا للكاتب «وليد خدورى» ــ الكاتب العراقى المتخصص فى شئون الطاقة وجاء فيه؛
يشكل النفط قطاعا اقتصاديا أساسيا للعراق ومحورا لسياساته الخارجية. وأعارت الدول الصناعية اهتمامها بالاحتياطات العراقية منذ نهاية القرن الـ19، ثم فرضت معاهدات واتفاقات صارمة على العراق بعد الحرب العالمية الأولى، ما أهلها لبسط سيطرتها من خلال مساهمة شركاتها فى شركة نفط العراق، ثم استلم الكادر الوطنى تطوير الصناعة منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، حيث لعب من خلال شركة النفط الوطنية دورا حاسما فى نمو الصناعة.
وابتعث العراق المئات من الطلبة المتفوقين للدراسات العليا فى الخارج للتخصص، شكلوا نواة الكادر الوطنى الذى أشرف على الصناعة النفطية بعد فشل المفاوضات مع شركات الامتياز وتشريع قانون رقم 80 لعام 1961 الذى استعاد للدولة أراضى شركات الامتياز غير المطورة أو المنتجة. وتأسست شركة النفط الوطنية عام 1961 ومن بعدها قرار التأميم الذى بدأ عام 1972.
***
ومن هؤلاء الخريجين الذين ساهموا فى إدارة الصناعة النفطية العراقية المهندس الميكانيكى عصام الجلبى الذى استلم مهمات عدة فى الصناعة، منها وزير النفط. ونشر مرجعا حول الصناعة النفطية العراقية خلال القرن العشرين: «50 عاما فى عالم النفط: سيرة ومذكرات»، تداخلت فيه الذكريات والمذكرات والوثائق والأبحاث والوثائق والإحصاءات.
وذكر الجلبى: «قام العراق بالإعلان أوائل الثمانينيات بأنه سيبدأ بإعطاء معلومات عن احتياطاته وبقية حقائق صناعته النفطية بشكل رسمى، وذلك بعدما ترسخت تجربته الرائدة فى التأميم والاستثمار الوطنى المباشر، ولم يعد هناك ما يبرر إحجامه عن التصريح بها واعتبارها سرا ينبغى كتمانه».
فعلى ضوء هذه السياسة الجديدة التى تم تبنيها تغيرت أرقام الاحتياطى سنويا من نحو 47 بليون برميل الذى كانت تنشره شركات الامتياز التى كانت تعمل فى العراق قبل التأميم، وتم تحديث المعلومات مع التوجه فى الحفر نحو طبقات الحقول العميقة وزيادة معامل الاستخلاص إلى ما بين 10 و35 فى المائة. وبادرت الوزارة أيضا إلى تحديث المعلومات سنويا ليصل الرقم الحالى إلى نحو 158 بليون برميل. وتركت هذه الشفافية ردود فعل إيجابية فى «أوبك» والاعلام النفطى، نظرا لصعوبة الحصول على معلومات نفطية عراقية دقيقة سابقا. ووصلت الطاقة الإنتاجية إلى أكثر من 4 ملايين برميل يوميا أوائل الثمانينيات، بحسب الجلبى، الذى ذكر أن الأعمال الاستكشافية تكثفت خلال السبعينيات.
وأضاف أن الوزارة كانت خططت منذ 1978 وما بعدها برنامجا لتطوير نحو 25 حقلا «بانتظار توفر المناخ السياسى والاقتصادى والمالى اللازم لها، بينها 11 حقلا فى الجنوب بطاقة إنتاجية 3 ملايين برميل يوميا و11 حقلا فى الشمال بطاقة إنتاجية 500 ألف برميل يوميا، و3 حقول فى الوسط بطاقة إنتاجية 300 ألف برميل يوميا. ولكن ذلك توقف بعد عام 1990 بسبب حرب الخليج والحصار».
وواجهت شركة النفط الوطنية تحديات إنتاجية عدة، بحسب الجلبى، منها «التكنولوجيا وأسس التقييم وأساليب الحفر المعتمدة فى تخمين حجم المخزون النفطى واحتياجات العراق وحقوله، وتعثر الحصول على التكنولوجيا الحديثة منذ أوائل الثمانينيات حتى عام 2003 وربما حتى عام 2010 حين عادت الشركات الأجنبية للعمل، وذلك بسبب الحروب والحصار والظروف المالية الصعبة التى مر بها العراق منذ تلك الفترة، ثم انحسار القدرات الفنية العراقية بسبب الهجرة وضعف التدريب، إضافة إلى استمرار الاعتماد على التقنيات القديمة، مثل الحفر العمودى بدلا من الآبار المائلة، الأمر الذى أدى إلى عدم التمكن من الحفر لطبقات منتجة عميقة، ما أبقى الإنتاج محصورا فى مكامن عصرى «التيريشيرى والطباشيرى»، من دون استكشاف وتطوير الإنتاج من العصور الجيولوجيا الأخرى مثل «الجوراسى والترياسى».
***
واجه العراق منذ بداية تصديره النفط تحديات جغرافية وجيوسياسية، ما أدى وما يزال يؤدى إلى تشييد منافذ تصديرية متعددة لتأمين صادراته. وكان الاعتماد الأساسى حتى عام 1972 فى الخطط العراقية «على نقل الخطوط المتجهة باتجاه البحر الأبيض المتوسط حصرا، لاعتبارات اقتصادية وفنية، إضافة لجوانب تتعلق بالبعد القومى العربى وارتباط العراق بسورية، ولكن بعد تعثر طويل لضخ النفط غربا إلى سوريا، قررت القيادة عام 1971 وقبل فترة قصيرة من إصدار قرار تأميم عمليات شركة نفط العراق، بإيجاد بدائل تعتمد على التوجه جنوبا نحو مياه الخليج العربى، وشمالا عبر تركيا إلى البحر الأبيض المتوسط، ما نجم عنه مشاريع خطوط عديدة، منها الخط الاستراتيجى للضخ باتجاهين، شمالا عبر تركيا وجنوبا إلى الخليج العربى. فالخط العراقى التركى الأول كركوك ــ جيهان، والخط العراقى ــ التركى الثانى كركوك ــ جيهان.
وشكلت قرارات التحول من التصدير عبر سوريا إلى تركيا أو عبر الخليج العربى نقلة نوعية ذات بعدين جيوستراتيجيين، الأول انتكاسا لسياسة التصدير عبور الترانزيت لدولة عربية (سورية) واستبدالها بدولة مجاورة غير عربية (تركيا). واعتبرت هذه السياسة فى حينه ضربة مهمة للتعاون العربى، كما شكل التصدير عبر الخليج العربى، اعترافا بأهمية أسواق النفط الشرق آسيوية (اليابان فى حينه).
ولعبت العوامل الجيوسياسية دورا منذ بدء التصدير فى الثلاثينيات، إذ ضغطت كل من دول الانتداب بريطانيا وفرنسا فى تصدير نفط كركوك عبر فلسطين (تحت الانتداب البريطانى) خط كركوك ــ حيفا، وعبر لبنان وسوريا (تحت الانتداب الفرنسى) كركوك ــ طرابلس ــ بانياس. وأوقف العراق التصدير عبر حيفا عام 1948 نظرا للأحداث السياسية فى فلسطين وفكك الخط. ولكن على رغم ذلك استمرت إسرائيل تطمح فى إعادة تصدير النفط العراقى عبر حيفا كما تبين ذلك كأحد أهداف احتلال عام 2003 لتغيير ميزان القوى الاقتصادية بينها وبين سوريا.
***
ومع نشوب الحرب الإيرانية ــ العراقية فى الثمانينيات والتحديات التى واجهها تصدير النفط العراقى من قبل إيران فى الخليج، اتخذت إجراءات أولا لشحن النفط بطريق البر عبر تركيا والأردن ثم بدأ التفكير للتصدير عبر البحر الأحمر، إما من طريق الأردن أو السعودية، وبعد مفاوضات طويلة تم الاتفاق مع السعودية لتشييد خط أنابيب إلى ميناء المعجز السعودى على البحر الأحمر. ونشر الجلبى عددا كبيرا من الوثائق والمعلومات للمرة الأولى عن هذا الخط الجديد وغيره، فذكر: «فى 10 يونيو 2000 صدر أمر سعودى بوضع اليد على سائر منشآت الخط داخل أراضى المملكة لتوقف العراق عن تنفيذ التزاماته (ربما المقصود هو الدفعات الشهرية لشركة «أرامكو السعودية») وخرق الأعراف والمواثيق (ربما المقصود هو احتلال الكويت). وحسب علمى، فإن العراق لم يقم بمفاتحة المملكة حول ذلك الأمر حتى احتلال العراق عام 2003. وينطبق الأمر ذاته على النظام العراقى الحالى، وربما كان فقط من خلال بعض الأنباء الصحفية التى أشارت إلى رغبة العراق بإعادة تشغيل المشروع، والذى قررت المملكة أن تستخدم الجزء الممتد عبر المرحلة الثانية للمشروع لأغراض نقل النفط السعودى من شرق المملكة إلى موانئ المملكة على البحر الأحمر».