إصلاح التعليم ليس معضلة
أشرف البربرى
آخر تحديث:
الأربعاء 22 يناير 2025 - 7:10 م
بتوقيت القاهرة
لا يمكن لمصر التى عرفت المدارس والكليات بشكلها الحديث منذ عهد محمد على قبل أكثر من قرنين من الزمان وقبل أن يظهر إلى الوجود الكثير من الدول التى تتفوق علينا الآن ــ أن تظل داخل هذه الحلقة المغلقة التى تدور بنا داخلها حكوماتها المتعاقبة منذ أكثر من 5 عقود من أجل إصلاح التعليم نتيجة عدم السير فى الطريق الصحيح الذى يعرفه الجميع لتحقيق إصلاح حقيقى للتعليم وهو وضعه فى مرتبة متقدمة على قائمة أولويات المخصصات المالية فى الميزانية العامة للدولة.
فتصريحات المسئولين عن قيمة التعليم والسعى إلى تطوير التعليم وإصلاحه، والاقتراحات والتصورات لا يمكن أن تحقق أى شىء مادامت الحكومة ترى أن إنفاق الأموال على أعلى برج وأكبر كوبرى وأطول طريق وأضخم نجفة أهم من بناء المدارس وتجهيزها بكل ما تحتاجه نظم التعليم الحديثة، وأهم من إعادة تكليف خريجى كليات التربية لتوفير الأعداد المطلوبة من المعلمين الشباب المؤهلين وفقا للمعدلات العالمية.
والواضح أن الحكومة تتعامل مع ملف إصلاح التعليم بنفس المنطق الذى تتعامل به مع أغلب قضايا المجتمع الحيوية مثل الصحة وتحسين مستويات المعيشة للغالبية العظمى، وهو «يعطيك من طرف اللسان حلاوة .. ويروغ منك كما يروغ الثعلب»، فتكتفى بالحديث الجميل عن الإصلاح والتطوير والسيطرة على الأسعار ودعم محدودى الدخل، فى حين أن الواقع غير ذلك تماما.
ومع الحديث المتكرر عن خطط إصلاح التعليم وتعديل أنظمة التدريس وطرق الامتحان وتغيير المناهج، وإلغاء مواد وإضافة أخرى، تتجاهل الحكومة جوهر الأزمة وهو عدم كفاية المدارس والنقص الشديد فى أعداد المعلمين والمعاونين إلى الدرجة التى حولت النكتة التى اشتهرت فى فيلم الناظر صلاح الدين على لسان الممثل الراحل يوسف عيد «أستاذ زكريا الدرديرى مدرس الرياضيات والفرنساوى لحد ما يجيبو مدرس فرنساوى» إلى واقع فى العديد من المدارس حيث يقوم المدرس بأعمال إدارية لا تمت للعملية التعليمية بصلة لأن العديد من المدارس خلت ــ أو كادت ــ من الكادر الإدارى مع خروج أعداد كبيرة من الإداريين إلى التقاعد على مدى السنوات الماضية دون تعيين موظفين جدد، لترشيد الإنفاق. وفى دائرتى الصغيرة أعرف مدرسا يعمل مشرفا للمرحلة التعليمية ومدرس مادة ومسئولا عن شئون الطلبة، وآخر يعمل مدرس فصل ومسئول شئون عاملين، وغير ذلك الكثيرون. وبدلا من تعيين خريجى كليات التربية المؤهلين تعرض الوزارة على المعلمين الذين وصلوا إلى سن المعاش الاستمرار فى العمل مقابل مكافأة زهيدة، متجاهلة حقيقة أن المدرس الذى تجاوز سن الستين لا يملك الصحة اللازمة لكى يقف أمام التلاميذ ليقوم بالتدريس لهم، وإنما كان ينتقل إلى العمل الإشرافى سواء الإدارة أو التوجيه.
الحقيقة أنه منذ قررت الحكومة التخلى عن مسئوليتها فى توفير خدمة تعليمية حقيقية للمجتمع منذ عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك، بدعوى أنها لا تستطيع مواكبة الزيادة المطردة فى أعداد التلاميذ نتيجة النمو السكانى، وإلغاء تكليف خريجى كليات التربية، اكتفت بخطط وتغييرات لا يمكن أن تحقق أى إصلاح حقيقى. فقبل سنوات عديدة ألغت الحكومة «السنة السادسة» فى المرحلة الابتدائية، ثم أعادتها. وفتحت باب التحسين فى امتحانات الثانوية العامة، فتضخمت المجاميع وشهدت مصر ما لم تشهده اليابان وفنلندا من طلاب تجاوزوا حدود الكمال التعليمى عندما حققوا مجموع 101% وهو ما لا يستقيم عقلا لأن درجة الكمال فى الشىء هى 100%، فقررت إلغاء النظام. ثم قررت تقسيم الثانوية العامة على عامين، قبل أن تلغى هذا النظام وتعود إلى السنة الواحدة دون أى فرصة للتحسين. والآن يعود الحديث عن تقسيمها على عامين مع فتح باب التحسين تحت اسم «البكالوريا»، دون وجود ما يشير إلى أن هذه التجربة لن تكون سوى تكرار للمحاولات الفاشلة لأنها لا تتعامل مع جوهر المشكلة وهو أن الدولة لا تريد أن تخصص للتعليم ما يستحقه من ميزانيتها، ولا ترغب فى أن تعطيه الأولية التى يستحقها على الكثير من أبواب الإنفاق الحكومى.