التعليم وأوضاعه فى أتون الحروب العربية
مواقع عربية
آخر تحديث:
السبت 22 فبراير 2020 - 9:20 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتبة «رفيف رضا صيداوى»، تتناول فيه الهدف الرابع من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والمتعلق بالتعليم، كما تتناول معدلات التعليم فى الوطن العربى قبل وبعد النزاعات العربية... نعرض منه ما يلى:
تشتمل خطة التنمية المُستدامة لعام 2030 على 17 هدفا، منها هدف عالَمى جديد فى مجال التعليم، هو الهدف التنموى الرابع الذى يفيد بضرورة «ضمان التعليم الجيد المُنصف والشامل للجميع وتعزيز فُرص التعلُم مدى الحياة للجميع»، ومنها أيضا «ضمان أن يتمتع جميع الفتيات والفتيان بتعليمٍ ابتدائى وثانوى مجانى ومُنصف وجيد، بما يؤدى إلى تحقيق نتائج تعليمية مُلائمة وفعالة بحلول عام 2030»، و«ضمان تكافؤ فُرص جميع النساء والرجال فى الحصول على التعليم التقنى والمهنى والتعليم العالى الجيد والميسور التكلفة، بما فى ذلك التعليم الجامعى، بحلول عام 2030»... إلخ، وهى بنود فى معظمها تنطلق من خلفية مساواتية، جندرية وطبقية ومناطقية.
لكن المُراقب لأوضاع بلداننا النامية يلحظ أن تحقيق الأهداف المُشار إليها تعترضه عقبات جمة، منها ما هو مرتبط بطبيعة الاختلالات البنيوية للدولة فى عالمنا العربى، ومنها ما هو ظرفى ناتج عن الحروب والنزاعات التى يعانى منها بعض دولنا. ففى تقريرٍ بعنوان «طريق لم يُسلك بعد: الإصلاح التعليمى فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، صادر عن منشورات دار الكِتاب الجامعى فى الإمارات العربية المتحدة بدعمٍ من البنك الدولى فى العام 2008، تمت الإضاءة على بعض تلك الاختلالات البنيوية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وضمنا دولنا العربية، كعدم تساوُق الطلب على التعليم الثانوى والعالى المجانى مع الحاجات الحقيقية للاقتصاد، وعدم الإقبال على التعليم الفنى وارتفاع أعداد الجامعيين الدارسين للعلوم الإنسانية وعلوم الاجتماع التى تستقطب نحو ثلثى الطلاب. ويُعلِل التقرير بعض أسباب هذا النمط من الالتحاق بالجامعة بالقول إنه ــ أى هذا الالتحاق ــ كان «متساوقا تاريخيا مع سياسةٍ هادفةٍ لامتصاص مُعظم خريجى الجامعات فى وظائف الخدمة المدنية؛ بَيْدَ أنَ هذا لا يناسب وجود استراتيجية تنموية تقوم على المُبادرات الخاصة والتصنيع الديناميكى وقطاعات الخدمات».
أما إذا استندنا إلى مؤشرات مثل الإنفاق العام على التعليم، ومعدلات الالتحاق بالتعليم، وعدد سنوات التعليم النظامى، لوجدنا أن الكثير منها إيجابى، بخاصة لجهة متوسطات عدد سنوات الدراسة التى يتلقاها الطفل منذ بلوغه سن التعلُم، وارتفاع سنوات الدراسة المتوقَعة لمَن بلغ سن 25 فأكثر، والتى تأتى مُقترنة فى بعض الدول بتقدمٍ مُحرَز على صعيد التنمية البشرية خلال السنوات الـ25 الماضية، والذى يقترن بدَوره مع اتجاهٍ عام نلحظه اليوم، وهو التحسُن المطرد على صعيد التنمية البشرية. فاليوم، وبحسب «التحديث الإحصائى» لبرنامج الأُمم المتحدة الإنمائى للعام 2018، ومن أصل 189 بلدا شملها حساب دليل التنمية البشرية، يصنَف 59 بلدا من ضمن المجموعة ذات التنمية البشرية المُرتفعة جدا، و38 بلدا فقط ضمن المجموعة ذات التنمية البشرية المُنخفضة، بعدما كانت تلك الأعداد 46 و49 بلدا على التوالى، فى العام 2010.
تكفى الإشارة إلى التوسع الكبير فى التعليم العالى الذى شهده العالَم العربى، لنلحظ ارتفاع العدد، فى السنوات القليلة الأخيرة تحديدا، إلى أكثر من 700 جامعة مع أكثر من 13 مليون طالِب، وارتفاع إجمالى القيد، أقله بنسبة 2,5 أضعاف فى العقد الأخير. أما فى ما يخص الإنفاق على التعليم، فإن الدول العربية تكرِس أكثر من 10 % إلى 20 % من موازناتها السنوية للتعليم، بما فيه التعليم العالى.
المؤشرات المُضلِلة أحيانا
لكن هذه المؤشرات، التى قد يكون بعضها مُضلِلا أحيانا، شهدت تراجُعا صاحبته الأزمات على المستوى الكَونى، وتلك التى تعصف بالشرق الأوسط تحديدا، بوصفه مِحور الصراعات الجديدة والأزمات الراهنة. فلنبدأ بالإشارة إلى أن 100000 شخص قُتلوا فى النزاعات المسلَحة فى العام 2014، وهى أعلى نسبة وفيات كانت قد سُجِلت منذ العام 1994، وأن منطقة الشرق الأوسط كانت المنطقة الأكثر عرضة لأعمال العنف مع ما جرى من تطورات فى العراق وسوريا، والتى كانت مسئولة عن زيادة حصيلة الوفيات بحسب إحصاءات عائدة للعام 2015؛ ولْنتابع ما نشرته «المفوضية السامية للأُمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، للتدليل بداية على بؤس العالَم هذا، وبؤس الشرق الأوسط تحديدا: فقد أعلنت المفوضية أنها تشهد الآن «أعلى مستويات مسجَلة للنزوح منذ إنشاء المفوضية»؛ بحيث أُجبر 70,8 مليون شخص فى أنحاء العالَم جميع على الفرار من ديارهم، وهو رقم لم يسبق له مثيل. كما أن من بين هؤلاء نحو 25,9 مليون لاجئ، وأكثر من نصفهم دون سن الـ 18 عاما؛ وأن أكثر الأطفال ممن هُم فى سن الدراسة والبالغ عددهم ستة ملايين والذين ينضوون تحت ولايتها ــ أى 3,7 مليون طفل ــ لا يرتادون المدارس؛ وأن هناك نحو 1,75 مليون طفل لاجئ لا يذهبون إلى المدرسة الابتدائية، فضلا عن 1,95 مليون لاجئ فى سن المُراهقة لا يذهبون إلى المدرسة الثانوية، مع ازدياد أرجحية عدم ذهاب اللاجئين إلى المدرسة خمس مرات عن المعدل العالَمي؛ ناهيك بملايين الأشخاص من عديمى الجنسية الذين حُرموا من الحصول على الجنسية والحقوق الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والعمل وحرية التنقل.
لم تسلم البلدان العربية من تلك الأوضاع البائسة، ففى تصريح يعود إلى العام 2008، عبَر وزير التعليم العراقى آنذاك عن انعكاسات الحروب على أوضاع التعليم فى العراق قائلا: «بعد عقدَين من العقوبات الاقتصادية والحرب، لا يعرف ثلث البالغين العراقيين القراءة الآن. فالعراقيون بحاجة إلى أكثر من 4300 مدرسة جديدة، فيما المدارس الموجودة فى حالة سيئة والسكان يتزايدون». أما تقرير المفوضية السامية للأُمم المتحدة لشئون اللاجئين العائد إلى العام 2016، فيُعلن أن 94 % من الأطفال فى سوريا كانوا فى العام 2009 يذهبون إلى المدراس الابتدائية والثانوية، إلا أن نسبتهم انخفضت فى يونيو 2016 إلى 60 % فقط، فبقى 2,1 مليون طفل ومُراهق من دون إمكانية الحصول على التعليم فى سوريا. وبما أن الأحوال الأمنية لم تتغير فى كلا البلدَين بعد مرور أكثر من عشر سنوات على تصريح الوزير العراقى، وبعد أربع سنوات على تقرير المفوضية السامية للأُمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كيف ستكون عليه أوضاع التعليم فى هذَين البلدَين الآن ومُستقبلا...
حروب لم تنتهِ وتدمير الرأسمال البشرى
لقد تعاقبت الحروب فى العراق وسوريا واليمن وفى غيرها من البلدان العربية وتزامنت لتُلقى بتأثيراتها السلبية والخطيرة على التعليم، الذى كان يُعانى أساسا من حقائق صادمة عبَرت عنها تقارير عالَمية وتحديدا لجهة تراجُع نَوعيته وبُعده عن متطلبات عصر الانفجار المَعرفى الذى يشهد فيه التعليم تطورات فائقة السرعة، ناهيك بتغيُر فلسفته؛ إذ إنه مع معدلات الموازنات المخصَصة للتعليم فى البلدان العربية يبدو أن نقص التمويل لم يكُن العائقَ الرئيس أمام تراجُع نوعيته وجودته، أو أمام عدم مُواكبته طُرق التعليم الحديثة قُبَيل اندلاع الحروب والنزاعات. فالتعليم التقليدى كما يُشير أحد الباحثين «يبتلع الأموال الطائلة، ولكن افتقاره إلى المعرفة الثقافية والاجتماعية، يجعله مصدرا لأفراد بمهارات شحيحة. فى حين أن التعليم الحر يُهيئ الأفراد لحياة أكثر إشباعا فى العمل وخارجه، وبخاصة فى مَرافق التفاعل الاجتماعى ومسئوليات الانخراط السياسى والمدنى. ولعل الأهم يتمثل فى كونه يقلِص من نزعات الجهل والتزمت والأنانية، وهى أمراض اجتماعية مدمرة» (منصور مبارك، «عن التعليم وحصاده»، مؤسسة الفكر العربى، يناير 2016).
نعم، الاختلالات بنيوية، والحروب والنزاعات جاءت لتقضى على ما تبقى من رأسمالٍ بشرى عربى، ولتؤسِس لفجوة عميقة فى التحصيل العِلمى لأجيالٍ وأجيال. فإلى جانب إمكانية انخفاض أو تراجُع حصص الأسر من مجموع الإنفاق على التعليم فى البلدان التى تشهد نزاعاتٍ وحروبا، لابد أن نتوقع تعثُر تحقيق الهدف التنموى الرابع من أهداف خطة التنمية المُستدامة لعام 2030، والمتعلق بالتعليم. فهذه الحروب والنزاعات سوف تؤدى إلى مزيدٍ من الاصطفافات الطبقية والجندرية والمناطقية، التى من شأنها أن تُضاعف من الاصطفافات القائمة أصلا على هذه الصُعد، سواء داخل البلدان العربية التى تشهد حروبا أو نزاعات، أم داخل المجتمعات التى استقطبت المُهاجرين العرب إليها. ذلك أن نصيب الفرد المُهاجر من تعليمٍ نوعى وذى جودة فى البلد المُضيف يبقى أقل من نصيب السكان الأصليين. هذا ما يشير إليه بالأرقام تقريرٌ جديد لليونسكو بعنوان «بناء الجسور لا الجدران: الهجرة والنزوح والتعليم»، 2019، بالقول إنه فى برنامج التقييم الدولى للطلاب لعام2015، وصل 49 % من الجيل الأول و61 % من الجيل الثانى من المُهاجرين البالغين من العمر 15 عاما إلى المستوى 2 على الأقل من الكفاءة فى القراءة والرياضيات والعلوم، مُقارنة بمعدل 72% من السكان الأصليين. أما فى لبنان، وبحسب مسح حول «القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر فى لبنان» نُفِذ خلال العام 2018 ــ 2019، فيتبين أنه فى حين سجَل معدل الأمية على المستوى الوطنى للمُقيمين بعمر 10 سنوات وما فوق 7,4%، سجَل هذا المعدل 6,3% لدى اللبنانيين مقابل 12,5% لدى غير اللبنانيين، كما سجَل معدل الأمية لدى النساء الضعفَين على المستوى الوطنى، وكذلك فى فئتَى المُقيمين من لبنانيين وغير لبنانيين. وفى حين بلغ معدل الالتحاق بالتعليم (للأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و24 سنة) 79,2% لدى اللبنانيين، بلغ هذا المعدَل 48,2% لدى المُقيمين غير اللبنانيين، وبرزت هذه الفجوة الحاصلة فى جميع المراحل، وبخاصة لدى الفئة العمرية 15ــ 19 سنة.
يُمكننا الاستمرار فى إيراد الأرقام حول المصير التعليمى للاجئين والنازحين العرب عموما، إلا أن الغاية من كلامنا فى هذه المساحة هى الإضاءة على وجه من وجوه أزمة التعليم العربى عموما التى ستمتد لأجيال إذا ما استمرت حروبنا واستمر معها التخلُف عن رسْم الخطط وتطبيق بنودها تطبيقا عادلا وشفافا على الأرض.
النص الأصلي:من هنا